Wednesday, 20 December 2017

قلم أحمر وتعليم عالٍ بلا درجات.


إلى أستاذي الجامعي الذي كلما أقنعته بفكرة في رأسي وباركها ، شعرت أني حصلت على درجة أكاديمية عليا في مجالي : شكراً على مبادئك ودقتك ، وقلمك الأحمر!

في السنة الجامعية الثانية في مرحلة دراسة متطلبات درجة البكالوريوس في جامعة السلطان قابوس وبينما كنت أدرس مقرراً يدعى " التحرير الصحفي " ، تفاجأت في إحدى المحاضرات أن أستاذ المقرر من إحدى الجنسيات العربية لم يدخل علينا كعادته في توقيت المحاضرة بل جاءنا محاضرعماني كنت أراه للمرة الأولى ، سلم ثم عرف بنفسه وقال :سأكون معكم اليوم بدلاً من المحاضرالأساسي بسبب تعرضه لوعكة صحية أرقدته في المستشفى لأيام ، ابتسمت في داخلي وقلت: يعنى جاي حصة احتياطي ؟ وتهيأت أن أقضي المحاضرة في الحديث إلى زميلاتي القريبات اللاتي تجمعنا المحاضرات ثم تذهب كل منا إلى سكنها الجامعي ، لكنها لم تكن أبدأ حصة احتياطي !

لم يحدثنا هذا الأستاذ عن الدرس الذي كنا ننتظره من أستاذنا العربي ، بل تحدث بأسلوب قريب جداً عن أهمية القراءة لمن يدرس في تخصص الصحافة ، سألنا عن نوعية ما نقرأه ووجه قراءاتنا نحو خيارات أغلبنا لم يعهدها  ، كانت محاضرة فتحت عيناي على قيمة ما أدرسه ومسؤوليتي تجاه نفسي وتطويرها الذي ليس بالضرورة أن يكون أكاديمياً، كانت محاضرته حالمة بالنسبة للبعض لكنها لم تكن كذلك بالنسبة لي !
انتهت المحاضرة وذهب الأستاذ لمكتبه وربما نسى ما قاله لنا ، وذهبت أنا إلى المكتبة الرئيسية و بدأت أفكر في كل ما قال ، كنت حينها قارئة نهمة جداُ في مجال الروايات والتاريخ ، لكن خيارات القراءة التي وجهنا إليها كانت غائبة جداً عني، ربما لأنها كانت ثقيلة في وقتها وكئيبة وصفحات كتبها كثيرة.
مر الوقت وحديث ذلك الأستاذ عن تطوير وتأهيل القدرات لايغادرني ، فوجدتني أطرق باب الكتابة في الإصدارات التي تصدر من جامعة السلطان قابوس حينها ومنها ملحق أنوار ونشرة المسار ولجأت لهذا الأستاذ لكي يطلع على أول خبر صحفي كتبته ، واذكر أنه كان في يده قلم أحمر عندما قصدته في مكتبه صباحاً ، فقام بتعديل صياغة الخبر لدرجة لم أعد فيها أتبين الخبر الأصلي الذي كتبته ، وعندما لاحظ شعوري بالإحباط قال : إن كان كل ما تكتبينه سيكون رائعاً من المرة الأولى ، فكيف يمكن أن تتعلمي من أخطائك ؟ ومن يومها وأنا لا أطلب كمالاً فيما أفعله، وأواصل التعلم دون توقف .

راجع لي بعدها تحقيقات واستطلاعات وحوارات وكعادته كان دقيقاً جداً في عمله ، تلك الدقة التي نضيق ذرعاً بها في وقتها قبل أن ندرك أنها ستطورنا ، كان في كل مرة يقرأ لي شيئاً يعطي ملاحظات متعددة ، فمرة يقول  : وحدي زمن الأفعال ، لا تأتي مرة بفعل ماضي وفي نفس الفقرة فعل مضارع ، ومرة لا تستطلعي آراء أقربائك في الاستطلاعات الصحفية التي تجرينها وابحثي عن أشخاص لا تربطك بهم قرابة ، ومرة  تجردي من شخصيتك عندما تكتبين وغيرها الكثير من النصائح التي لصرامتها في كل مرة أخرج من مكتبه أقسم أن لا أعود ، لكني بعد كل مرة كنت أعود!

جاء يوم وأنا في السنة الثالثة في الجامعة وطلبت تدريباً في أحد المؤسسات الإعلامية ولم يكن مفروضاُ لطلاب السنة الثالثة لكني أبديت رغبتي في التدرب ، وتمت الموافقة لي على التدريب من الكلية وبدأت في الانتظام بالذهاب لجهة التدريب ولأني لم أكن أحصل على درجات على ذلك التدريب لكون المقرر غير معتمد في الخطة  الدراسية ، فكان يحدث أن أذهب أحياناً لجهة التدريب وأتكاسل عن ذلك أحيان آخرى حتى استدعاني هذا الأستاذ في مكتبه وبعد عبارات عن إيمانه بأن لدي مهارات جيدة في مجالي، قال لي عبارة لم تعد تفارقني فكرتها : إن أبديتي رغبة في عمل شيء وتمت الموافقة لك على  فعله ، فيجب أن تكمليه أو باختصار لا تتطوعي لفعله من البداية !
مر الزمن وتخرجت من الجامعة وذهبت لدراسة الماجستير في استراليا ، وعندما عدت ووجد اسمي في قائمة المقبولين لدراسة متطلبات الماجستيرفي الصحافة والنشر الالكتروني في جامعة السلطان قابوس سألني : لماذا ماجستير ثاني ؟ وكنت أشعر أني في امتحان آخر غير الامتحان والمقابلة اللذان خضعت لهما من قبل الكلية، والحمد لله أني اجتزته عندما أقتنع بوجهة نظري.
الدكتور عبدالله بن خميس الكندي الأستاذ المشارك في قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس نموذج للأستاذ الجامعي الذي يفتح في أذهان طلابه الأسئلة والرغبة في البحث للحصول على المعرفة ، فالدراسة الجامعية بالنسبة له ليست حضور محاضرات وتسليم متطلبات تؤدي إلى درجات معينة ، بل أن يساعد طلابه في التعلم واكتساب مهارات حياتية لا ينتهي أثرها بتسلم درجات المقرر الأكاديمي.
أستاذي العزيز : لكل المرات التي خرجت من مكتبك وكنت أشعر أنك لا تؤمن بقدراتي الصحفية لكثرة تعليقاتك على ما كتبت : شكراً على كل شيء ، بصدق جداً ، شكراً.

تونس المحروقي 

بيتنا

٢٠ديسمبر ٢٠١٧

Tuesday, 12 December 2017

أختي وطريق طويل وامرأة قد تبدو مسنة !

تحذرني أختي دائماً من إيقاف مركبتي لأي ظرف كان لنقل النساء اللاتي نراهن على جوانب الطرق الرئيسية الممتدة السريعة واللاتي لا نعرف عادة من يتوقعن أن يقف لهن في هذه الطرق وإلى أين يتجهن ؟

تعرف أختي أن مشاعري تتعاطف كثيراً مع البشر دون تمييز لطبائعهم فتقول محذرة : ألم تسمعي قصصاً كثيرة عن جرائم السرقة ؟ ألا تخافي من أن تكون من تتعاطفين معها متنكرة في زي امرأة وهي ليست كذلك، أسمع تحذيراتها المحبة وأقول في نفسي يبدو أن مشاهدة الأفلام المصرية التي تدمنها كثيراً أثرت في طريقة تفكيرها.

هذه المرأة كانت في أحد الشوارع الداخلية في محافظة مسقط،يبدو للوهلة الأولى أنها في منتصف مرحلة الخمسينات ، دفعني فضولني للتوقف لها رغم أنها لم تستوقفني ، سألتها : خالتي وين تريدي تروحي ؟ ردت بأدب جم دون أن تخبرني وجهتها  : بنتي عن أخرك ! بعد جدال : ركبت وأول ما فعلته عند ركوبها السيارة هو أن خلعت نعليها ، شعرت بتوجس للحظة ، عادت كلمات أختي لذهني لتنبهني ،هل ستضربني بها فأفقد توازني في القيادة أم ماذا ؟ لكنها عاجلتني بقولها : أخاف النعال بنتي يوسخ سيارتك ! ياااه يا خالة ، سيارتي قديمة جداً ولايبدو عليها أي نوع من الرفاهية حتى تخافين أن تتسخ!! كم يحرجني أدب تعاملك ويخرس أصوات تحذيرات أختي !!   

أخبرتني بعد تعارف بسيط أنها من إحدى القرى القريبة جداً من محافظة مسقط وأنها تأتي يومياً صباحاُ  كي تعتني بطفلة إحدى قريباتها التي تعمل في مؤسسة حكومية ، إذ تبقى مع طفلتها وتطبخ لهم غدائهم ثم تغادر بعد عودة قريبتها من العمل لتعود لمنزلها في ولايتها برفقة جارتها الشابة التي تعمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص .

قالت بفكاهة ساخرة : "ترى ما أحد طاع يعلمني سياقة عشان كذا كلما تطلع جارتي إجازة ، أتبهدل أنا في الدروب كما تو تشوفيني كذا"

تحدثت عن بناتها اللاتي يدرسن في المدارس وبنتها التي " ماجابت مجموع " والحين تنفعها جالسة في البيت تساعدها في شغل البيت ، كانت تعتذر مني بمعدل مرة كل 5 دقائق على أنها تسببت في تأخيري عن حياتي ،ورددت أنها كانت ستذهب بسيارة أجرة ، ثم ترجع لتتحدث عن أبنائها الذين استقلوا بحياتهم وتركوها مع بناتها لتخرج إلى العمل وهي بهذا العمر ، ثم تصف من تعمل معهم أنهم طيبون لكن " طلعة الصبح " وتركها منزلها لنصف يوم مهملة لبناتها من أجل ١٠٠ ريال متعبة ثم تعود لتحمد الله على النعمة وتقول أن وضعها أحسن من بعض جاراتها اللاتي يحسدنها على هذه النعمة.

بين حديثها الذي لم ينقطع وعدم حاجتي لسؤالها لأنها لم تتوقف عن الكلام وكأنها أخيراً وجدت من يسمعها ، وصلنا لوجهتها وقبل أن تنزل عرضت عليها مبلغاُ من باب أني في مقام إحدى بناتها رفضته بأنفة وعزة وقالت : أنا راتبي 100 ريال والله والحمد لله " كي حتى جارتي فاطمة تبغى تحصل مثل شغلي ، وأنا تو أدور لها "، نزلت من سيارتي وأغلقت باب السيارة بحرص شديد وكأنها تتعامل مع سيارة فارهة وليست سيارتي القديمة جداً ، راقبتها بنظري وهي تبتعد، وأنا اتذكر كل ما قالته وفجأة علت وجهي ابتسامة متسعة جداً وأنا انتبه 

أني نسيت في غمرة قصصها أن اسألها عن اسمها! 


تونس المحروقي 

المكتبة الرئيسية بجامعة السلطان قابوس

الساعة ١٠ مساءً 

١٢/١٢/٢٠١٧


 

 

 

Friday, 8 December 2017

رسالة إلى الجنة!



إلى سالمة بنت سعيد " أمي " : مر زمن طويل منذ أن رحلتِ ، ومازلت كل صباح أقول لكِ في سري : "ماه ،مو صبحتِ " ؟ ولا أتلقى الجواب !!


عاطفية أنا قليلاً يا أمي وأعرف ذلك ولا يزعجني الأمر ، رأيتك مراراً في طفولتي تشرحين موقفاً ضايقك من أحدهم وقبل أن تنهين جملتك الثانية تنخرطين في بكاء تحاولين أن لا تظهرينه أمامنا فتنهرينا لنخرج من مكان فضفضتك مع جارتك ، أنا مثلك يا أمي عندما أختنق بكلماتي أبكي كما لايليق بقوية وكما لم ترغبي أن تظهري أمامنا !


أمي هل كنت تعرفين وأنت ترافقيننا إلى المدرسة في صفوفنا الدنيا أنك لن تكوني موجودة لتشهدي نجاحات أي منا نحن بناتك الست ؟ وهل لو عرفتي كنت اهتممتي بتعلمنا كما كنت تفعلين ؟ هل تذكرين المرة التي حصلت على المركز الثاني على الفصل ويومها كذبت عليك كي أنفذ من عقابك لكنك عرفتِ وغضبتِ؟!ظللت سنوات المدرسة متعجبة من أن أكون متفوقة وأتعرض للعقاب في كل مرة يخونني اجتهادي ولا أكون الأولى على الفصل، لكني فهمت أسبابكِ بعد أن رحلتِ. 


هل تتذكرين الرحلة المدرسية التي شاركت فيها بسبب تفوقي وشاء القدر أن تتعطل الحافلة وبدلاً من أن نعود عصراً عدنا في التاسعة مساءً ؟هل تتذكرين ذهابك لمنزل عائلة المعلمة المرافقة لنا لعلك تحصلين على اطمئنان يهدي قلقك علي ؟ لأكن صادقة معك يا أمي أنا لم يقلق علي أحد بعدك،ذلك القلق المحبب الذي لا يخنق !


هل تتذكرين فرحتنا عندما كان أبي يخبرنا أننا سنذهب في رحلة خارج ولايتنا البعيدة ؟ هل تتذكرين كيف أني وأخواتي كنا نخبر الجميع أننا سنسافر وكأننا سنسافر لباريس وليس لمدينة قريبة لا تبعد سوى ساعتان بالسيارة ؟ 

هل تتذكرين صحونا قبل آذان الفجر وقبل أن يصحو أبي ، وتحضيرنا ما سنحمله معنا من وجبات ؟وكأننا متجهين لصحراء وليس لطريق على امتداده محلات ومطاعم كثيرة. 


هل تذكرين ال١٠٠ بيسة التي كنتِ تعطيني وأخواتي وأحياناً لا تستطيعينها فتعطينا من الطعام الموجود في البيت ؟ هل تتذكرين كم كنت أرفض وأقول لك "أنا الأولى على الصف ومايصير ما يكون عندي فلوس عشان اشتري من الجمعية " ليتكِ بقيت وأقسم لك أني لم أكن لأطلب منك شيئاً !


أمي كنت تحرمين علينا في البيت التلفظ بكثير من الكلمات التي كنا نسمعها في المدرسة وعند الجيران وبالقرب من بيت جدي وجدتي ، نعم كنت تحرمينها لدرجة عندما نسمع أي منها كنا نقول استغفر الله !

لم تقبلي أن نتلفظ بتلك المفردات رغم أنها بمقاييس الأمس واليوم ليست بذلك المستوى السيء من قلة التهذيب ، هل تعرفين يا أمي أني لم استخدمها رغم أنك رحلتِ منذ زمن طويل ورغم أن العالم أصبح ملوثاً بكلماته النابية لكني على عهدي معك وكأنك مازلت هنا !


هل تذكرين الشتاء و أغطية أسرتنا التي نسحبها للصالة وصراخك في كل مرة أن الجو ليس بارداً بما يستدعي أن نسحبها ونتغطى بها ونحن نشاهد التلفزيون ومسلسل الساعة التاسعة تحديداً وقولك المتكرر " لو تو حد جاء البيت وشاف الصالة كذا أيش رح يقول "  هل تعرفين يا أمي أنه لم نعد نفعل ذلك منذ رحيلك !!


هل تذكرين حساءك الشتوي " الشوربة" هل تتذكرينها ؟ هل تتذكرين حبي لها، لم أعد أتناولها منذ أن غادرتِ ، أشاهدهم يشربونها وأقول ببلادة أنا لا أحب تناول المشروبات الساخنة !


أمي هل تتذكرين الدجاج الذي كنت تربينه في المنزل  وكنتِ تحبينه كثيراً وكم سمعتك وأنت تحدثينه عن بعض همومك ! بعدك يا أمي لم يعد لدينا حيوانات ولا طيور في المنزل ، حتى القطط التي لم تحبينها يوماً ودخلنا في جدال طويل معك لتقبلي وجودها في المنزل رحلتِ جميعاً يوم غادرتِ ولم نحرص على إحضار غيرها. 


أمي مر زمن طويل جداً منذ أن رحلتِ وأنا أفتقدك جداً لكني لا استطيع الكتابة لكِ لأني لا أعرف إن كان في عالمك شكل من أشكال الارتباط بعالمنا ، هل تتذكريني يا أمي ؟ أنا تونس رابع بناتك وأكثرهن تعلقاً بك ووجعاً لغيابك !

أنا تونس ، أكتب عنك وكأنك رحلتِ بالأمس ، مع أنهم يقولون ننسى بعامل الوقت ، نحن لا ننسى يا أمي ، لاننسى أحبتناالذين وارينا أجسادهم التراب،فقط يخف حديثنا عنهم،فيظهر علينا التأقلم، وما تأقلمنا،لكنه حزن عميق لا تتسع عوالمنا لسرد وجعه !


رحمك الله

بنتك تونس 


تونس المحروقي

Monday, 13 November 2017

تلفزيون سناب شات الواقعي !





تقرر أن تفتح حساباُ في منصة "سناب شات" الإلكترونية ، بعد أن ألح عليك المقربون لك في أن تكون جزءًا من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ورغم أنك تقسم لهم أن لديك حساباً آخر في إحدى المنصات الإفتراضية الإلكترونية وهو يكفيك لتعرف ما يدور في هذه العوالم ، لكنهم يخبرونك أن في سناب شات لحظات أجمل تتخف فيها من بعض الجدية والحزم اللذان تتعامل بهما مع الحياة، وأنك ستشعر ببهجة غير متوقفة وأنت تتابع ما يفعله البشر ويعرضونه من فيديوهات لحياتهم .

 يلحون عليك كثيراُ حتى تشعر لوهلة أن مشاكل الكون ستحل بمجرد فتحك لهذا الحساب"  فتقول لنفسك : لم لا ؟ لنجرب ، تدخل هذا العالم لتجد محيطك العائلي ومحيط الأصدقاء والزملاء وتشاهدهم للمرة الأولى ربما في منازلهم وفي فسحهم وسفرهم وتدخل معهم أحياناً حتى غرف نومهم ، تشاهد ملابسهم الجديدة التي اشتروها والساعات الثمينة التي جاءتهم في مناسبات متعددة ، والحفلات التي يتشاركونها معك بتصويرها ولا تعرف لها مناسبة فلا هم دعوك لحضورها ولا هي متوافقة مع مناسبة خاصة تعرف أنهم يحتفلون بها عادة .

تشاهد مطابخهم ووجباتهم وتعرف ما الذي تناولوه على الغداء والعشاء وتسأل نفسك لماذا تناولوا عشاءً كمثل ذلك التي تناولوه بالأمس ؟ ولماذا يطبخون كل هذه الأنواع من الطعام ؟ وهل سيأكلونها كلها أم سيتم رميها ؟ستعجبك ربما الأواني المستخدمة في تقديم الطعام وربما تبدأ في البحث عنها لتشتري مثلها ، ستجد نفسك تدخل في تفاصيل أشياء لا تعنيك وتنتهي مشاهدتك ولم تعرف ماذا استفدت وما نوع التسلية التي حصلت عليها ؟ بل تلاحظ أنك بدأت تختلف مع أسرتك لأنه لم يحتفلوا بعيد ميلادك كما قام من شاهدتهم في سناب شات في الاحتفال بالمقربين لهم في مناسبات مشابهة ، وربما تغار وتشعر أن حياتك أقل من غيرك وتسأم منها فتقرر أن تلغي متابعة هذه الفئة من المحيطين، قبل أن تخسر علاقتك بأهلك لأنهم لم يوفروا لك تذكرة سفر مثلما فعل أهل أصدقائك  ووضعوا صور تلك التذاكر جلية في حساباتهم في سناب وعبارة " إلى لندن ، والحافظ الله" .

تنتقل إلى متابعة حسابات المشاهير من النجوم المفضلين الذين طالما تعلقت عيناك بالشاشة وأنت ترى مقابلاتهم ونتاجهم الفني والإعلامي ، تقول لنفسك : إن هؤلاء البشر  أشخاص لا أعرفهم واقعياُ وبالتالي لن أشعر أنني سأقارن حياتي بهم ، وهي أيضاً  فرصة لأعرف سر نجاحاتهم وأسباب تألقهم ، تقول ذلك ثم تتكل على الله لتتابع تلك الحسابات .

 في حساباتهم هذه تجد نفسك تشاهد أناس حياتهم الليلية لا تتنهي ، يعودوا ليناموا بعدها حتى الظهر أو العصر،  وبعد أن مر يومك في العمل واللهاث خلف الحياة ومتطلباتها تجد أن النجمة للتو تصحو لتشرب القهوة وماكياجها يكفي دهن الجدران الداخلية لشقة ، بملابس أنيقة وخلفية صورة لديكورات هي أقرب للقصور وأنت تتابع كل ذلك بعيون زائغة باحثة عن تفاصيل تشبه عالمك، تأخذك من سرحانك بها وهي تشرب قهوتها بمحاولاتها أن تظهر بمظهر العارفة بخبايا الحياة فتتفلسف بكلام غير مترابط ولا تعرف مغزاه ، فربما قد أخبرها أحدهم أن تقوله كي تظهر بمظهر المثقفة ، لكنه نسى أن يحفظها الكلام جيداً حتى لا تتوه بقية كلماتها حين تنسى كلمة في أول الجملة ، ترغب في أن تساعدها بأن تخبرها أن كلامها غير مفهوم لتنتبه فتغيره ، لكنك تجد أنها لم تفعل خدمة استلام الرسائل من الجمهور ، فتقف رسالتك لديك ولا يصلها صوتك ولا أنت تفهم كلماتها !

 تتركها وفلسفتها وتذهب لآخرى تبدأ يومها بلطفها المتناهي المصطنع مع عاملات منزلها ، ولا تفهم أنت ضرورة توثيق تلك اللحظات، ثم لقطات آخرى وهي ذاهبة لتتبرع لإحدى الجمعيات الخيرية ، ولا تنسى أن تصور " الشيك " الذي تبرعت به ! ثم في سناب آخر يظهر لك النجم الفلاني يستعرض سياراته من الماركات التي لا يحلم المتابع حتى دخول وكالاتها للنظر إليها ، ويقول لمتابعيه : الله يعطيكم ونقول يارب .

تذهب لسناب آخرى فتجد نجمته مسافرة لإحدى الدول الأوروبية وتخبرنا عن ملابسها ومن أي ماركة هي في كل إطلالة تظهر بها ، تقول ذلك بكل تواضع ! ونحن نشاهد الأجواء والثلوج والملابس الأنيقة وتصهرنا حرارة أجواءنا ، فنخفض درجة حرارة جهاز التكيف في الغرفة ونشرب الماء البارد جداً لنشعر أننا في أجواء مماثلة ، نظل نراقب ونتحسر على حياتنا ونقول لأنفسنا كيف تصل هذه أو ذاك لهذه الحياة ولم نصلها نحن رغم أننا أجمل أو أكثر معرفة ، أو نلنا من العلم درجات أعلى.

تزداد هذه النماذج في حياتنا فتترسخ في أذهان من يتابعها فكرة الحياة السهلة الرغدة المترافقة مع ثروات لم نقف على كيفية تحقيقها، ولم يظهر من حياة أصحابها أي نوع من الاجتهاد الذي يقود لهذا النوع من الثراء  خصوصاً أن أغلبهم لا يظهر غير لحظات الكسل والسفر وتناول الطعام ،و البهرجة العالية في الملابس ونمط الحياة ، وبيننا من يتفرج على كل هؤلاء ، ويعتبرهم قدوة له في نمط حياتهم الذي قد لا يتناسب وحياتنا التي تستلزم الاجتهاد لننعم بالمكاسب ربما بعد عقود ، وليس النوم حتى العصر ثم قضاء اليوم في ممارسة الفراغ !

وفي وسط كل هذا لا ننكر أن هنالك من يقدمون محتوى جيد في مجالات عدة تفيد المتابعين وتضيف لهم ، ويبذلون من وقتهم وجهدهم لذلك الكثير، لكن حسابات هؤلاء تضيع في موجة سناب شات المشاهير واهتماماتهم، فهم متابعيهم غالباُ أقل بكثير من متابعي حسابات المشاهير، وبالتالي انتشار ما يقدمونه أقل بكثير من انتشار صور الفلل والحفلات والأسفاروالمطاعم .

ستجد نفسك بعد كل ذلك التجوال اليومي في هذه المنصة، لا تخرج بشيء حقيقي يضيف لك غير أنك عرفت اللون المفضل لفنانتك المفضلة ، ومعرفة أن النجم الفلاني يحب تناول عشائه في الثالثة فجرأ وأن قمصانه من الماركة الشهيرة التي تحبها ولم تحلم يوماً بإقتناء قميص منها ، وأن الإعلامية المشهورة تسافر بمعدل مرة كل أسبوعين وأنها تحب شراء حذاء من كل دولة تزورها وأنها تحب رش العطر على ملابسها وهي معلقة في خزانة الملابس ! ستشاهد كثيراً وتمتليء بتفاصيلهم جداً وتتنهي بقناعة أن من راقب سناب شات ،، مات غماً ، وضحالة !

 

تونس المحروقي

Wednesday, 1 November 2017

توقفتُ عن الحياة !



إهداء : إلى زميلة الغربة التي جاء الصباح بدونها بعد قرارها ليلاً أن لا تكمل حياتها بدون حلمها التي أقسمنا لها مراراً أنه لا يستحقها !
كوني في عالمك الآخر بخير جداً.

قالت في رسالة طويلة في وقت متأخر جداً من الليل : توقفت عن الإعتناء بأحد ، عن الاستماع لقصصهم البائسة والساذجة وغير المكتملة والتي لا تكتمل وتدفعهم للبكاء طويلاً أمامي وقيامي بتحمل عواقب تلك الصدمات وكأنني من تلقيتها !. 
توقفت عن القيام بدور القريبة الحاضرة دائماً كي تخفف حجم الأحزان ، وينساها أحبتها عندما يفرحون ، ويتعللون بأنهم اعتقدوا بأنها مشغولة ، وما اعتقدوا ذلك حين أرادوا قلبها ليجفف دموعهم 
توقفت عن جعل هاتفي مفتوحاً حينما أنام كي لا تتأزم حياتهم في نومي ولايجدونني، أصبحت أغلقه وأنام قريرة العين. 
أشاهدهم يرسلون رسائل كثيرة يخبرونني ماذا فعلوا في أيامهم التي توالت بدوني ، لكني لا ألتفت ، فقدت شغفي وفضولي في أن أعرف موضوعاتهم المفضلة التي تشغل تفكيرهم في الوقت الراهن! 
توقفت عن السؤال عن الغائبين ، عن انتظار رسائلهم ، عن معاتبتهم ، وعن الحزن طويلاً مساءً لأني اعتقدت أن أحداً ممن ضيعت يومي في محاولة حل مشكلاتهم سيتذكر أن يشكرني عميقاً قبل أن ينام، توقفت عن الطيبة ، وفي مصطلح أدق توقفت أنا عن السذاجة!
كتبت هذه الرسالة ، وتناولت ما تبقى من حبوب مزدحمة في علبة صغيرة أحضرتها من صيدلية صغيرة تلاصق الجامعة كي تقضي على نوبات الإكتئاب التي أصبحت تزورها كثيراً، وأغمضت عيناها ومضت إلى قدرها الذي لا يعرف تفاصيله أحد !!
تونس المحروقي
1 نوفمبر 2017

الخوض / مسقط

Saturday, 5 August 2017

لا تمرض يا صديقي




لا تمرض ياصديقي 

لا تبتعد عن الجميع

لا تكتئب 

لا تنزوي  

لا تهجر العالم 

وتكتئب

لاتنهي الحياة في عينيك

وتصمت

وتكتئب 

فأنا ياصديقي

مازال لدي الكثير لأخبرك عنه

حكايات لا تنتهي أود أن اكتبها لك

لك وحدك 

سيل من المشاكسات مازالت بحوزة قلبي

لأسكبها في لحظاتك

وجعي الذي لا أطلعه لغيرك

سأشغلك به

فرحي الساذج الذي تضحك دائماً من بساطة أسبابه

من سيقرأه في اعتزالك ؟

من سيتندر عليه ؟

 

أدرك ياصديقي أنك تتوجع

وأعرف أنك تكتم ذلك

ولا تخبر أحداً به ولا حتى لقطك المدلل الذي يلتصق بك في كل مرة يشعر بوحدتك!

أعرف أيضاً أن توقعات البشر عنا قد تمنعنا عن التعبير بحرية عن أوجاعنا

عن لحظات ضعفنا

عن أن نحزن بكلمات مكتوبة يقرأها الجميع

أعرف ذلك جيداً

دون أن تخبرني

دون أن اسألك

لكن أرجوك لا تمرض

لاتكتئب

لاتذهب لذلك الغار 

حيث لا أحد إلا نفسك 

وحبوب تهدئتك 

وسيل من دموع مختنقة تنهمر بداخلك 

لاتذهب إلى هناك

قل لي أنا وحدي  

مابالك ؟

ماذا يحزنك ؟

هل جرحك أحد ما ؟

لا تكتم في داخلك الألم  

لا تتظاهر بالقوة حفاظاً على مظهرك

ومدن داخلك تتهاوى ، وأكاد أسمع صوت سقوطها !

 

ستراني منشغلة بتفاصيل حياتي

وستعتقد عدم اهتمامي

وأني لا أسمعك

سيخيل لك عقلك أني بعيدة جداً 

لكني ياصديقي مهتمة

ومهتمة جداً

أقسم لك أني كذلك

سأبكي طويلاً وأنا أرى معالم الوجع في روحك 

سأصلي كي تكون بخير

سأسترجع كلماتك حرفياً قبل أن أنام

وكأنها شريط لايتوقف عن الدوران

سأحزن بعمق 

لكني لن أخبرك

سأسرح في فكرة أن أجعلك تبتسم مجدداً

سأستعين بالعم " جوجل " كي أجد طريقة لإخراجك من حالتك 

سأستغل كل من أعرفهم كي يبحثوا لي عن فكرة مختلفة،تجعل روحك تنفجر سعادة  


سأفعل كل ذلك وأكثر 

لكن لا تكتئب ياصديقي 

فقلبي يهتم جداً 


رغم أنه لن يخبرك يوماً كم يتوجع لألمك و يهتم ! 

 

 

 

تونس المحروقي 

٥ أغسطس ٢٠١٧

الثامنة مساءً بتوقيت مسقط 

فوق أرجوحة القراءة في المنزل. 

Sunday, 30 July 2017

من نظارة ساعي بريد !!




إهداء : إلى كل من يفاجئهم  قدرهم بأن يضعهم وجهاً لوجه أمام حقيقة أن الحياة لن تمضي برغد كما كانت ، كونوا في نضالكم النفسي القادم بخير !


صديقي الذي لا يقرأ لي  : لن أكتب الديباجة التي تعود عليها الناس في مقدمة رسائلهم فذلك بيننا عهدًٌ ولى وانصرم. هل تتذكر كيف كنت أكتب برسميةٍغريبةٍ جداً يوم أن كانت جبال الثلوج مازالت ممتدة بيننا، كنت ابدأ رسائلي بعبارة : السيد فلان تحية طيبة وبعد ، ما أسذجني ! أين كان عقلي يومها؟ أما الآن فأنا هنا بدون مقدمات اذكرك أني أخبرتك في رسالة سابقة أنني لن أكتب لك ما حييت،نعم قلت ذلك رغم أني أكتب لك الآن ، فأنت ياصديقي تستفزني بعدم ردك على رسائلي الذي يجعلني أشك في أنها لا تصلك،مع أن ساعي البريد أقسم لي مراراً أنه رأك تحمل الرسائل وأنت في طريقك للبيت صباحاً ، هو كذلك سألني كثيراً عن طبيعة عملك الذي يجعلك تعود لمنزلك وقت مغادرة الناس لمنازلهم، لكني اكتفيت بالصمت، هو أيضاً تبرع من نفسه تأكيداً على رؤيتك بأن وصف لي نظارتك التي مازلت تلبسها مع أني قلت لك عدة مرات في رسائلي أنها بشعة جداً وأرسلت لك نظارة مع إحدى رسائلي اشتريتها لك من تايمز سكوير في نيويورك، عندما كنت في رحلتي الصيفية إليها هذا العام ، نظارة تليق بوجهك من ماركة معروفة جداً ، لا كتلك التي تتمسك بها !
هذا ليس موضوع رسالتي على أية حال ، فأنا هنا لأذكرك أني قد أخبرتك أن واحدة من صديقاتي خيرتني بين الكتابة إليك وقربها بعد أن ضاقت ذرعاً بحديثي عنك ، فاخترت قربها طبعاً ، لأنك فقط تستفزني وهي تحبني ! لكني اليوم يا صديقي أخلف وعدي لصديقتي، كي أكتب لك ، وربما سأواصل الكتابة لك حتى آخر العمر ، وآخر العمر هذا ياصديقي قصة طويلة لا نعرف ملامحها ، لكن الأقدار قد تقرب لنا هذا المشهد أحياناً وفي غفلة منا! 
  
لا أعرف كيف ابدأ ياصديقي ، فاليوم  حدث شيئاً يستحق السرد هنا ، فقد ظهرت نتائج فحوصات أجريتها لمعدتي جراء بعض الآلام التي أصبحت تزورني بتكرار مؤخراًً، أنا لم أكن لأذهب للفحوصات لولا أن ذلك المغص الموجع الذي يتكرر كل يوم يشعرني أن أحدهم يستخدم منشاراً في معدتي ، وكأني غابة شجر كبيرة يتم قطع شجرها بلا توقف ،هل تخيلت الوجع ؟ نعم هذا ما أشعر به بالضبط ، وهذا مادفعني رغماً عني للذهاب لهذا المشفى الغريب في تعامله ، إذ أني عندما وصلت للقسم المعني رفضت الممرضة أن تعطيني نتائج الفحوصات في يدي ، واقتادتني لممر طويل ثم توقفت عند مكتب وتحدثت في الهاتف وذكرت اسمي دون أن تذكر أي معلومات أكثر ، يبدو أنها أخبرت الطبيب بمقدمي ، وكأني في أحد المسلسلات البوليسية التي شاهدتها كثيراً في طفولتي.
خرج الطبيب وطلب مني الدخول لمكتبه ، نظر ملياً في وجهي ثم سألني عن عمري وكان يكفيه النظر للملف ليعرف ذلك ، لكنه فضل أن يسألني ، بلع ريقه بعد أن عرف أو ربما أنا من تخيل ذلك ، لا بأس المهم أنه بدأ في  التحدث عن فكرة الحياة والموت ، والايمان بالقضاء والقدر وكأنه يسترجع معي مادة التربية الإسلامية منهج الصف الأول ، لا وقت للتهكم، أعرف ذلك ،  لكني لا أعرف لماذا شعرت حينها أنه أصبح واعظاً فجأة وأنا لا أحب الوعاظ، لا أحبهم لأنهم يعتقدون أنهم يمتلكون كل الحقيقة ولا أحد في الحياة يمتلك ذلك يا صديقي !

بعد مقدمات غير مفهومة وغير مبررة ، أخبرني ووجهه محرج لا يرفعه في وجهي وكأنه سيخبرني أن زوجي تزوج عليّ دون علمي ،رغم أني لست متزوجة، قال بكلمات ثقيلة  : أنت مصابة بسرطان في المعدة، ثم صمت كل شيء فجأة وكأني فقدت سمعي ، كان يتكلم ، شاهدت شفتاه تتحركان لكني لم أعد أسمع !!

سرطان في المعدة ياصديقي!! نعم سرطان في المعدة ، يعني كل الخضروات والفواكه التي تناولتها لم تحمي جسدي من المرض ، وماذا عن جالونات المياه التي شربتها والتي علق مرة عليها زميلي في العمل وهو يراها قائلا : هل لديك عزومة ماء اليوم ؟ أين نصائح أخصائيّ الصحة والتغذية التي حرمتني من أشياء كثيرة أحبها وجعلتني متقيدة بأكل معين يقال عنه صحي وكأني مقيمة دائمة في جناح في المستشفى ؟
أين ذهبت كل جهودي تلك ؟
ماذا عن حصص الرياضة التي لأجلها كنت أقطع عشرات الكيلومترات يومياً لأصل للنادي وأتحمل ثقل دم المدربة وتعليقها المستمر أنني لا أجيد تمارين "الزومبا" كما ينبغي مع أني بحسب قولها أكملت عاماً ويفترض مني أن أكون خبيرة ! لو أصبحت أنا كمتدربة خبيرة فماذا ستكون حاجة النادي إليها ؟!
ثم ماذا عن أحلامي  التي أعلقها في مرآة غرفتي والتي أشاهدها حية وأنا أضع ماكياجي صباح كل يوم ؟ وأمي التي تسألني بعد أن فشلت في دراستي متى ستتزوجين ؟ متى سيلين رأسك وتوافقين على ابن الجيران الجامعي الذي يحبك مند سنوات، كيف سأخبرها أنه لن يكون لدي متسع من العمر لأسعدها ، وأحقق لها حلمها في الزواج من جامعي؟ ولا حتى مادون ذلك. 
وأخي اللطيف الذي يحبني جداً والذي يلح علي في كل عودة من بلد ابتعاثه أن أذهب مرة معه لأشاهد مدينته كي أتحمس للدراسة وأدرس "البكالوريا" من جديد لأحقق نسبة أعلى ، وفي كل مرة أرفض كي لا اتذكر فشلي في تحقيق حلم أمي في الدراسة الجامعية. 
ماذا سأقول لأختي التي في كل مرة تعود فيها من جامعتها العادية جداً حتى في درجات قبولها ، تعيرني بأني لا أصلح للدراسة وأني الوحيدة في عائلتي التي لم تنجح وأن عملي سيستغنون عني قريباً ، لأني لست متعلمة تعليم جامعي ، هل ستحزن عندما تعرف مرضي وتعاملني بلطف ؟
أعرف أنهم جميعاً يرونني فاشلة ، لكن لدي أحلامي التي لم أخبرهم عنها.
من قال لهم أني لا أرغب في دخول الجامعة ؟ أنا فقط لم استطع أن أحصل على الدرجات المناسبة ، الدراسة كانت صعبة جداً وكنت أيامها مشغولة بدورات التجميل التي التحقت بها ، لم أنجح في تحقيق درجات مناسبة لكني لست فاشلة بل جامعاتنا فاشلة باشتراطها درجات عالية، لكني كنت قد قررت أن أعمل عدة سنوات أوفر فيها مبلغاً جيداً ثم أذهب لدولة أوروبية أدرس في إحدى جامعاتها التي لا تشترط النسب العالية ، كنت متأكدة أني سأفعل ، كان لدي احساس أني سأتفوق حتى ساعي البريد يقول لي في كل مرة ألتقيه أن شكلي متفوقة فلماذا لا يخبرهم بذلك ؟
صديقي الذي لا يقرأ رسائلي : لا أعرف كيف يمكنني إخبارهم ، أنا خائفة من ردة فعلهم أكثر من خوفي من العلاج إن وجد ، وأكثر ما أخشاه أن تحزن أمي فلا أعود أرى سعادتها كلما ذكرت ابن الجيران وتباهت بأن ابنتها الفاشلة لازالت مرغوبة من الجامعيين وذلك بسبب جمالها الذي ورثته منها ، أخشى كذلك ياصديقي من أن يختفى احساس الانتصارمن عينيّ أختي في كل مرة تتحدث عن جامعتها ، أخاف أن يترك أخي جامعته العريقة كي يرافقني في رحلتي الطويلة للمستشفيات ، أخشى ياصديقي من أن لا يتصرفوا بطبيعتهم ، أن يتصنعوا في تعاملهم معي ، شفقة بي.هل تفهمني ؟ 
أنا خائفة ياصديقي من أن أمضي إلى الموت وأنا وسط عائلتي التي تبكي في سرها وتضحك في وجهي كي لا أعرف أن أيامي قصيرة ، مع أني أدرك ذلك منذ أن أخبرني الطبيب بمرضي ، فجولة في الانترنت تمنح فكرة وافية عن الأمر !!
كيف سأخبر جهة عملي بالأمر ؟ كيف سيتلقى مديري الخبر ؟ كم كان طيباً معي وشجعني على أن أكمل دراستي ، كم سيحزن عندما يعرف ، ربما يبكي ، لا ، لا اعتقد أنه يفعل ، فزوجته تغار عليه كثيراً مني وهو يعرف ذلك ، ربما سترتاح الآن حين تعرف أني سأغادر. 
ماذا عن زملائي؟ هل سيفقدون غياب الزميلة الوحيدة لهم في العمل ؟ هل سيحزنهم ذلك ؟ ربما لا ، فغيابي يضمن لهم أن يجلسوا في مكاتبهم بالشكل الذي يروق لهم دون مراعاة وجود فتاة في الأنحاء !
تذكرت ياصديقي أنني أيضاً لم استخدم كل عطوري الباريسية التي اقتنيتها، مازالت متكومة بإهمال في أكياسها ،ولم يرني  الناس بالملابس الجديدة التي اشتريتها من رحلتنا العائلية الأخيرة ، من سيلبسها بعدي ؟ أختي لا تحب ذوقي في الملابس تقول أنه متواضع جداً وهي تحب القصات الجريئة والألوان الصارخة، حمقاء هي !
حقائب يدي اللاتي كانت صديقاتي يطلبن استعارتها في كل مناسبة وكنت أرفض لكني ألين قبل مناسباتهن بأيام فأعطهن الحقائب مع قائمة نصائح طويلة في كيفية العناية بها. لمن ستؤول ملكيتها ؟ وأن كنت أعرف أن صديقاتي لن يمانعن في أخذها بعد وفاتي ، تباً لهن ، كيف يتمتعن بحقائبي وأنا ميتة !!

حقائب الماكياج التي احتفظ بها في غرفتي والتي أكاد أجزم أنه لا يوجد امرأة في الكرة الأرضية لديها عدداً مماثلاً لما عندي منها ، من سيهتم بها خلال إقامتي الدائمة في المستشفى؟ من سيتذكر أن يفتحها لتهويتها واستخدامها حتى لا تجف مكوناتها ؟ 
حصص الرياضة التي ستفوتني هل سيقبل النادي تعويضها لي مالياً ؟ هل لو قدمت لهم أوراق المستشفى التي تثبت مرضي سيقتنعون ؟
صديقتي ليلى من سيعتني بطفلتها الجميلة التي تحضرها لي في كل مرة ترغب في أن تخرج مع زوجها لعشاء رومانسي ؟  ونجلاء من سيعمل لها ماكياجها في كل حفلة تذهب إليها وما أكثر حفلات الزفاف وأعياد الميلاد التي تحضرها وكأن أهلها يحتلون مدينة بكثرتهم ، اللهم لا حسد!
أنا خائفة ياصديقي من غيابي عن كل هذه الحياة التي كنت اعتقد أني سأعيش فيها طويلاً جداً ، على الأقل أطول من عمري الحالي بعشرين عام أو ثلاثين ، لا أظنني طلبت الكثير !

سأخبرك سراً وأنت تعرف سذاجة أسراري ، أنا أكثر ما يشغلني حالياً هو  أن تصلك رسالتي فلا تكتب لي ، تقرأ الرسالة ثم تعود لممارسة حياتك بشكل اعتيادي ، أن ترميها في أقرب سلة مهملات ، خائفة من أن أرسل لك رسالتي هذه طمعاً في قربك فلا تكترث، ولا تضطرب حياتك بعد الخبر ، فأموت كمداً قبل موتي المنتظر،نسيت أن اسأل الطبيب عن موعده ! خائفة ياصديقي  وخائفة أكثر يا ساعي البريد من أن تكون رسائلي هذه لا تصل ، ولا تُقرأ ، وأنك أقسمت لي كذباً جبراً لخاطري ، أو أن تكون نظارتك البشعة أنت أيضاً صورت لك رؤية خيال على هيئة صديقي الذي لا يقرأ رسائلي !





تونس المحروقي 
المنزل في الخوض / مسقط
٣٠ يوليو ٢٠١٧

Friday, 30 June 2017

لقد غيرت نظارتي !!


فتح صندوق البريد كما تعود أن يفعل كل يوم منذ أن بدأت هي في كتابة رسائلها إليه ، منذ أن عادت الحياة إلى صندوق بريده الذي كاد أن تعشش عليه الطيور بمختلف أنواعها ، وبعد أن سئم استلام أظرف رسائل لمنتجات تجارية كثيرة كانت تكتنز في صندوقه فيقضي دقائق يحاول استخراجها  وساعات يقرأ في عروض تجارية لا حصر لها تجد طريقها بعد ذلك إلى سلة المهملات دون أن تحرك فيه دافعاً للاستفادة منها !

تأفف وعيناه منتظرتان أن تريان شكل أظرفها المميزة بلونها البحري الذي تحبه وعطرها الذي يبدو أنها تضعه بتركيز شديد حتى أنه يحتفظ بنفس نسيمه على الرغم من تنقله لمكاتب بريدية متعددة.

سرح بعيداً وتحدث إلى نفسه،بقوله لم تعد ترسل لي رسائلها الطويلة التي تخبرني فيها عن تفاصيل يومها ولا صور طبخاتها التي لا تجيد تزيين أطباقها ولا صور المقهى المفضل الذي تدمن الكتابة فيه يومياً بعد عملها ، والذي كان يبدو من أناقة جلساته أنه غالي جداً ، أعلى من قدرتها على تحمل أن ترتاده يومياً ، أم أن راتبها زاد ولم تذكر لي ذلك في رسائلها الطويلة ؟ 

لم تعد تكتب لي متى صحت من نومها وكيف كانت ليلتها ؟ وما إذا كانت قد تناولت أدويتها قبل النوم أم أنها بكت طويلاً ثم نامت ودمعتها على خدها كأغلب الليالي ؟

مر زمن طويل منذ آخر مرة رسلت لي بصور مكان عملها مع ابتسامتها التي لا أعرف كيف تراها جميلة وتصر في كل مرة ترسل لي صورة بأن تذيل تلك الصورة بعبارة ابتسامتي الساحرة  ، تضحكني جداً لكنني أجدني مفتقداً لكل سذاجتها اليوم !

هل تراها لاحظت أني غيرت نظارتي التي لا تحبها ، والتي طلبت مني في رسائلها كثيراً أن لا أرتديها وأنا اقرأ رسائلها ، فلماذا لم تعد ترسل كلماتها ؟ أم تراها ملت من كوني اقرأ ثم لا أرد عليها ؟ هل كانت تعرف أني اقرأ رسائلها كلها أم أنها اعتقدت أني كنت أمزقها فور استلامي لها ؟ لا لم أمزق يوماً شيئاً من رسائلها، لو تعرف كم مرة قرأتها وكم مرة كنت سأكتب لها لأخبرها أني أحب رسائلها جداً ، لكنها تعرف جيداً أني لا استطيع ذلك ، إذاً لماذا تغضب ؟ لماذا تتوقف عن مراسلتي؟ لماذا لم تعد تخبرني كم تشعر بالراحة وهي تكتب رسائلها لي رغم أني لم أرد عليها يوماً؟

كيف مر ٣٥ يوماً دون أن تتذكرني؟ دون أن اخطر على بالها ، دون أن تكتب لي حرفاً !! هل وجدت سلوى في الكتابة لغيري ؟ هل وجدت من يعير كلماتها اهتماماً فيرد عليها ونستني في غمرة هذا المهتم الجديد ؟ لكن كيف تسمح لنفسها أن تتعامل معي على أني مجرد قاريء عابر لرسائلها تصد عنه بمجرد أن تجد آخر يتعامل مع كلماتها باهتمام بالغ ؟ كيف تجرؤ على أن تعودني على الكتابة لي بصفة مستمرة ثم فجأة تنقطع وكأنها لم تكن موجودة ؟ لكن ماذا إذا كانت هي ليست بخير ؟ ربما هي ليست بخير لكن كيف لي أن أعرف وأنا لا أرتاد أماكنها خوفاً من أن تضبطني هناك فتعتقد أني مهتم ! أنا لست مهتماً بها ، أنا فقط مستغرب من غيابها ، لكن  ما هذا الذي يحدث معي ؟ ماذا دهاني؟ لماذا تعلقت بكلمات هذه الساذجة ؟ نعم مازلت أراها كذلك ، كلماتها ساحرة لكن هذا لا يلغي أنها ساذجة جداً ، من تسامح بهذا القدر ساذجة ، من تنسى وتغفر كغفرانها ساذجة ، من تتجاوز كل ماحدث وتعود لتكتب لمن سبب لها كل هذا الوجع دون أن تتنظر منه تبريراً أو اعتذاراً ساذجة !!

هل تراها سترسل مجدداً ، ليتها كتبت لي اسم العطر الذي تضعه على أظرف رسائلها ، أصبحت لا استطيع النوم دون أن أتنفسه من أظرف رسائلها السابقة واعتقد أن استنشاقي له استنفذه !

لماذا لم تخبرني أنها ستنقطع ؟ لماذا عودتني ثم رحلت ؟ لا لن أرد عليها وهي تعرف ذلك ، تعرف ذلك جيداً ! لن أخبرها أني أشتاق جداً لكلماتها ،، هل تراها سترسل مجدداً ؟ 


يارب 


لا ماهذا الذي يحدث معي ، لست مهتماً بها وسأمزق الآن كل رسائلها وأمضي ، لا سأنتظر ، ربما سترسل لي رسالة غداً ، لابأس سأفتح صندوق الرسائل غداً وإن لم أجد منها رسالة سأمزق رسائلها كلها حينها وسأنتشل سحر كلماتها من دماغي وأذهب للنوم أو سأسافر كي أنسى انشغالي بها !لا لست مهتماً ، توقف يا رأسي عن تذكيري بها ، أرجوك ،توقف !!أرجوك أرسلي ، أرجوك !!


 

 

تونس المحروقي

30/6/2017

في بيت الطفولة بجوار شجرة ليمون زرعها أبي


Wednesday, 17 May 2017

مصر التي قد لا يلتقيها السياح !!



مصر التي قد لا يلتقيها السياح !!


إلى كل من زاروا مصر وقرروا بعد زيارتهم الأولى أنهم لن يعاودوا زيارتها ، إلى من وصفوا البلد وشعبه بصفات تتناسب مع تجاربهم السيئة فيها ، إلى من لم يعرفوا مصر كما عرفتها بعد ١١ زيارة لها في مواسم مختلفة ، قضيتها متنقلة بين الحارات الشعبية والفنادق أتكلم مع المصريين في الشوارع وأتنفس بساطة قلوبهم أكثر من أن أذهب للأماكن السياحية وألتقط صوراً بجوارها :

مصر هي " هانم " التي ترددت كثيراً قبل أن تخبرني بإسمها ، لأنها تقلق في كل مرة تقوله من أن يستهزي بها أحد بقوله " أزاي هانم وأنت بتشتغلي في دورة ميه في فندق " وقالت لي بعد حوار طويل امتد ساعات "أحنا عايزين نبقي أولاد ناس زيهم ، بس ربنا كتب لنا نشقى أكتر،واحنا راضين


مصر هي : الطفلة ذات السنوات الثمان التي كانت تتسول الطعام في جسر قصر النيل ، وقالت " أنا مش عايزة فلوس بس اشتري لي أكل عشان جعانة " وكانت عيناها ممتنة بعد أن تناولت الطعام


مصر هي : سائق سيارة الأجرة الذي حكى لي قصة حياته وأدخلني في مناقشة تفاصيل مجريات يومه وقبل أن أغادر سيارته بدقيقة قال لي " بس يارب ما أكون صدعت دماغ حضرتك "


مصر هي : مها من منطقة امبابة الشعبية التي طلبت استلام جمعيتها قبل موعدها من أجل أن تعمل عزومة محترمة تليق بضيفتها القادمة من الخارج ، ولم تخبرها بذلك ، وعرفت تلك المعلومة بالصدفة من جارتها !


مصر هي :أم محفوظ من القرية التي لا توجد على الخريطة بحسب قول ابنتها و التي توفى زوجها وترك لها ٦ بنات تعولهن فبدأت تعمل فطير مشلتت للمارين بقريتها وتبيعه كي تغني نفسها عن سؤال الناس 



مصر هي :لبنى التي توفى خطيبها بعد أن هجم عليه الأسد في جلسة تدريب للأسود وقتله وبقت بعده لا ترغب في الزواج محتفظة بصوره جميعاً في هاتفها وصورة ذلك الأسد الذي خان مدربه وافترسه !



مصر هي :أم محمد المقيمة في أحد مساجد الإسكندرية بشكل شبه يومي ، والتي تستقبل المصليات بدعائها وابتسامتها الراضية كأنها تملك الأرض بما عليها  ، وتقول لكل من يمد يده إليها بمبلغ " أنا بقعد هنا عشان ربنا يرضى عني مش عشان عايزة الناس تديني فلوس"


مصر هي : العائلة المصرية الكبيرة العدد التي زرتها في التاسعة مساء دون موعد مسبق فحلفوا مئة يمين  أن يقدموا لي عشائهم رغم أني أكدت لهم مراراً بأني تعشيت قبل وصولي !


مصر هي :نرمين التي في كل مرة تحجز لي سيارة أجرة " أوبر " تدفع عبر التطبيق نفسه أجرة المشوار ثم تقول في كل مرة " دي حاجة بسيطة هو أنت جاية كل يوم عندنا"؟

 

مصر هي :بائع الفواكة الذي يطعم القطط التي تتمسح بجلبابه كل يوم فيشترى لهن الشاورما ويقول لهن ممازحاً " ماتسيبوا لي حتة من اللحمة "


مصر هي : الدفء الذي تجده في أي منزل مصري بسيط تدخله وتتعامل مع أفراده ، لدرجة تشعر فيها أنهم أغنياء جداً بمشاعرهم وبساطتهم 


مصر هي : المكان الذي تتأكد أنه مهما حدث فيه من أزمات  ، وأصبح الحصول على القوت اليومي صعب جداً ، لكن الدنيا ستظل " لسه  بخير جداً" !!



تونس المحروقي 

فندق جراند نايل تاور غرفة ٣٥٥٧

١٧/٥/٢٠١٧



من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...