فتح صندوق البريد كما تعود أن يفعل كل يوم منذ أن بدأت هي في كتابة رسائلها إليه ، منذ أن عادت الحياة إلى صندوق بريده الذي كاد أن تعشش عليه الطيور بمختلف أنواعها ، وبعد أن سئم استلام أظرف رسائل لمنتجات تجارية كثيرة كانت تكتنز في صندوقه فيقضي دقائق يحاول استخراجها وساعات يقرأ في عروض تجارية لا حصر لها تجد طريقها بعد ذلك إلى سلة المهملات دون أن تحرك فيه دافعاً للاستفادة منها !
تأفف وعيناه منتظرتان أن تريان شكل أظرفها المميزة بلونها البحري الذي تحبه وعطرها الذي يبدو أنها تضعه بتركيز شديد حتى أنه يحتفظ بنفس نسيمه على الرغم من تنقله لمكاتب بريدية متعددة.
سرح بعيداً وتحدث إلى نفسه،بقوله لم تعد ترسل لي رسائلها الطويلة التي تخبرني فيها عن تفاصيل يومها ولا صور طبخاتها التي لا تجيد تزيين أطباقها ولا صور المقهى المفضل الذي تدمن الكتابة فيه يومياً بعد عملها ، والذي كان يبدو من أناقة جلساته أنه غالي جداً ، أعلى من قدرتها على تحمل أن ترتاده يومياً ، أم أن راتبها زاد ولم تذكر لي ذلك في رسائلها الطويلة ؟
لم تعد تكتب لي متى صحت من نومها وكيف كانت ليلتها ؟ وما إذا كانت قد تناولت أدويتها قبل النوم أم أنها بكت طويلاً ثم نامت ودمعتها على خدها كأغلب الليالي ؟
مر زمن طويل منذ آخر مرة رسلت لي بصور مكان عملها مع ابتسامتها التي لا أعرف كيف تراها جميلة وتصر في كل مرة ترسل لي صورة بأن تذيل تلك الصورة بعبارة ابتسامتي الساحرة ، تضحكني جداً لكنني أجدني مفتقداً لكل سذاجتها اليوم !
هل تراها لاحظت أني غيرت نظارتي التي لا تحبها ، والتي طلبت مني في رسائلها كثيراً أن لا أرتديها وأنا اقرأ رسائلها ، فلماذا لم تعد ترسل كلماتها ؟ أم تراها ملت من كوني اقرأ ثم لا أرد عليها ؟ هل كانت تعرف أني اقرأ رسائلها كلها أم أنها اعتقدت أني كنت أمزقها فور استلامي لها ؟ لا لم أمزق يوماً شيئاً من رسائلها، لو تعرف كم مرة قرأتها وكم مرة كنت سأكتب لها لأخبرها أني أحب رسائلها جداً ، لكنها تعرف جيداً أني لا استطيع ذلك ، إذاً لماذا تغضب ؟ لماذا تتوقف عن مراسلتي؟ لماذا لم تعد تخبرني كم تشعر بالراحة وهي تكتب رسائلها لي رغم أني لم أرد عليها يوماً؟
كيف مر ٣٥ يوماً دون أن تتذكرني؟ دون أن اخطر على بالها ، دون أن تكتب لي حرفاً !! هل وجدت سلوى في الكتابة لغيري ؟ هل وجدت من يعير كلماتها اهتماماً فيرد عليها ونستني في غمرة هذا المهتم الجديد ؟ لكن كيف تسمح لنفسها أن تتعامل معي على أني مجرد قاريء عابر لرسائلها تصد عنه بمجرد أن تجد آخر يتعامل مع كلماتها باهتمام بالغ ؟ كيف تجرؤ على أن تعودني على الكتابة لي بصفة مستمرة ثم فجأة تنقطع وكأنها لم تكن موجودة ؟ لكن ماذا إذا كانت هي ليست بخير ؟ ربما هي ليست بخير لكن كيف لي أن أعرف وأنا لا أرتاد أماكنها خوفاً من أن تضبطني هناك فتعتقد أني مهتم ! أنا لست مهتماً بها ، أنا فقط مستغرب من غيابها ، لكن ما هذا الذي يحدث معي ؟ ماذا دهاني؟ لماذا تعلقت بكلمات هذه الساذجة ؟ نعم مازلت أراها كذلك ، كلماتها ساحرة لكن هذا لا يلغي أنها ساذجة جداً ، من تسامح بهذا القدر ساذجة ، من تنسى وتغفر كغفرانها ساذجة ، من تتجاوز كل ماحدث وتعود لتكتب لمن سبب لها كل هذا الوجع دون أن تتنظر منه تبريراً أو اعتذاراً ساذجة !!
هل تراها سترسل مجدداً ، ليتها كتبت لي اسم العطر الذي تضعه على أظرف رسائلها ، أصبحت لا استطيع النوم دون أن أتنفسه من أظرف رسائلها السابقة واعتقد أن استنشاقي له استنفذه !
لماذا لم تخبرني أنها ستنقطع ؟ لماذا عودتني ثم رحلت ؟ لا لن أرد عليها وهي تعرف ذلك ، تعرف ذلك جيداً ! لن أخبرها أني أشتاق جداً لكلماتها ،، هل تراها سترسل مجدداً ؟
يارب
لا ماهذا الذي يحدث معي ، لست مهتماً بها وسأمزق الآن كل رسائلها وأمضي ، لا سأنتظر ، ربما سترسل لي رسالة غداً ، لابأس سأفتح صندوق الرسائل غداً وإن لم أجد منها رسالة سأمزق رسائلها كلها حينها وسأنتشل سحر كلماتها من دماغي وأذهب للنوم أو سأسافر كي أنسى انشغالي بها !لا لست مهتماً ، توقف يا رأسي عن تذكيري بها ، أرجوك ،توقف !!أرجوك أرسلي ، أرجوك !!
تونس المحروقي
30/6/2017
في بيت الطفولة بجوار شجرة ليمون زرعها أبي
No comments:
Post a Comment