Tuesday, 12 December 2017

أختي وطريق طويل وامرأة قد تبدو مسنة !

تحذرني أختي دائماً من إيقاف مركبتي لأي ظرف كان لنقل النساء اللاتي نراهن على جوانب الطرق الرئيسية الممتدة السريعة واللاتي لا نعرف عادة من يتوقعن أن يقف لهن في هذه الطرق وإلى أين يتجهن ؟

تعرف أختي أن مشاعري تتعاطف كثيراً مع البشر دون تمييز لطبائعهم فتقول محذرة : ألم تسمعي قصصاً كثيرة عن جرائم السرقة ؟ ألا تخافي من أن تكون من تتعاطفين معها متنكرة في زي امرأة وهي ليست كذلك، أسمع تحذيراتها المحبة وأقول في نفسي يبدو أن مشاهدة الأفلام المصرية التي تدمنها كثيراً أثرت في طريقة تفكيرها.

هذه المرأة كانت في أحد الشوارع الداخلية في محافظة مسقط،يبدو للوهلة الأولى أنها في منتصف مرحلة الخمسينات ، دفعني فضولني للتوقف لها رغم أنها لم تستوقفني ، سألتها : خالتي وين تريدي تروحي ؟ ردت بأدب جم دون أن تخبرني وجهتها  : بنتي عن أخرك ! بعد جدال : ركبت وأول ما فعلته عند ركوبها السيارة هو أن خلعت نعليها ، شعرت بتوجس للحظة ، عادت كلمات أختي لذهني لتنبهني ،هل ستضربني بها فأفقد توازني في القيادة أم ماذا ؟ لكنها عاجلتني بقولها : أخاف النعال بنتي يوسخ سيارتك ! ياااه يا خالة ، سيارتي قديمة جداً ولايبدو عليها أي نوع من الرفاهية حتى تخافين أن تتسخ!! كم يحرجني أدب تعاملك ويخرس أصوات تحذيرات أختي !!   

أخبرتني بعد تعارف بسيط أنها من إحدى القرى القريبة جداً من محافظة مسقط وأنها تأتي يومياً صباحاُ  كي تعتني بطفلة إحدى قريباتها التي تعمل في مؤسسة حكومية ، إذ تبقى مع طفلتها وتطبخ لهم غدائهم ثم تغادر بعد عودة قريبتها من العمل لتعود لمنزلها في ولايتها برفقة جارتها الشابة التي تعمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص .

قالت بفكاهة ساخرة : "ترى ما أحد طاع يعلمني سياقة عشان كذا كلما تطلع جارتي إجازة ، أتبهدل أنا في الدروب كما تو تشوفيني كذا"

تحدثت عن بناتها اللاتي يدرسن في المدارس وبنتها التي " ماجابت مجموع " والحين تنفعها جالسة في البيت تساعدها في شغل البيت ، كانت تعتذر مني بمعدل مرة كل 5 دقائق على أنها تسببت في تأخيري عن حياتي ،ورددت أنها كانت ستذهب بسيارة أجرة ، ثم ترجع لتتحدث عن أبنائها الذين استقلوا بحياتهم وتركوها مع بناتها لتخرج إلى العمل وهي بهذا العمر ، ثم تصف من تعمل معهم أنهم طيبون لكن " طلعة الصبح " وتركها منزلها لنصف يوم مهملة لبناتها من أجل ١٠٠ ريال متعبة ثم تعود لتحمد الله على النعمة وتقول أن وضعها أحسن من بعض جاراتها اللاتي يحسدنها على هذه النعمة.

بين حديثها الذي لم ينقطع وعدم حاجتي لسؤالها لأنها لم تتوقف عن الكلام وكأنها أخيراً وجدت من يسمعها ، وصلنا لوجهتها وقبل أن تنزل عرضت عليها مبلغاُ من باب أني في مقام إحدى بناتها رفضته بأنفة وعزة وقالت : أنا راتبي 100 ريال والله والحمد لله " كي حتى جارتي فاطمة تبغى تحصل مثل شغلي ، وأنا تو أدور لها "، نزلت من سيارتي وأغلقت باب السيارة بحرص شديد وكأنها تتعامل مع سيارة فارهة وليست سيارتي القديمة جداً ، راقبتها بنظري وهي تبتعد، وأنا اتذكر كل ما قالته وفجأة علت وجهي ابتسامة متسعة جداً وأنا انتبه 

أني نسيت في غمرة قصصها أن اسألها عن اسمها! 


تونس المحروقي 

المكتبة الرئيسية بجامعة السلطان قابوس

الساعة ١٠ مساءً 

١٢/١٢/٢٠١٧


 

 

 

No comments:

Post a Comment

من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...