Friday, 8 December 2017

رسالة إلى الجنة!



إلى سالمة بنت سعيد " أمي " : مر زمن طويل منذ أن رحلتِ ، ومازلت كل صباح أقول لكِ في سري : "ماه ،مو صبحتِ " ؟ ولا أتلقى الجواب !!


عاطفية أنا قليلاً يا أمي وأعرف ذلك ولا يزعجني الأمر ، رأيتك مراراً في طفولتي تشرحين موقفاً ضايقك من أحدهم وقبل أن تنهين جملتك الثانية تنخرطين في بكاء تحاولين أن لا تظهرينه أمامنا فتنهرينا لنخرج من مكان فضفضتك مع جارتك ، أنا مثلك يا أمي عندما أختنق بكلماتي أبكي كما لايليق بقوية وكما لم ترغبي أن تظهري أمامنا !


أمي هل كنت تعرفين وأنت ترافقيننا إلى المدرسة في صفوفنا الدنيا أنك لن تكوني موجودة لتشهدي نجاحات أي منا نحن بناتك الست ؟ وهل لو عرفتي كنت اهتممتي بتعلمنا كما كنت تفعلين ؟ هل تذكرين المرة التي حصلت على المركز الثاني على الفصل ويومها كذبت عليك كي أنفذ من عقابك لكنك عرفتِ وغضبتِ؟!ظللت سنوات المدرسة متعجبة من أن أكون متفوقة وأتعرض للعقاب في كل مرة يخونني اجتهادي ولا أكون الأولى على الفصل، لكني فهمت أسبابكِ بعد أن رحلتِ. 


هل تتذكرين الرحلة المدرسية التي شاركت فيها بسبب تفوقي وشاء القدر أن تتعطل الحافلة وبدلاً من أن نعود عصراً عدنا في التاسعة مساءً ؟هل تتذكرين ذهابك لمنزل عائلة المعلمة المرافقة لنا لعلك تحصلين على اطمئنان يهدي قلقك علي ؟ لأكن صادقة معك يا أمي أنا لم يقلق علي أحد بعدك،ذلك القلق المحبب الذي لا يخنق !


هل تتذكرين فرحتنا عندما كان أبي يخبرنا أننا سنذهب في رحلة خارج ولايتنا البعيدة ؟ هل تتذكرين كيف أني وأخواتي كنا نخبر الجميع أننا سنسافر وكأننا سنسافر لباريس وليس لمدينة قريبة لا تبعد سوى ساعتان بالسيارة ؟ 

هل تتذكرين صحونا قبل آذان الفجر وقبل أن يصحو أبي ، وتحضيرنا ما سنحمله معنا من وجبات ؟وكأننا متجهين لصحراء وليس لطريق على امتداده محلات ومطاعم كثيرة. 


هل تذكرين ال١٠٠ بيسة التي كنتِ تعطيني وأخواتي وأحياناً لا تستطيعينها فتعطينا من الطعام الموجود في البيت ؟ هل تتذكرين كم كنت أرفض وأقول لك "أنا الأولى على الصف ومايصير ما يكون عندي فلوس عشان اشتري من الجمعية " ليتكِ بقيت وأقسم لك أني لم أكن لأطلب منك شيئاً !


أمي كنت تحرمين علينا في البيت التلفظ بكثير من الكلمات التي كنا نسمعها في المدرسة وعند الجيران وبالقرب من بيت جدي وجدتي ، نعم كنت تحرمينها لدرجة عندما نسمع أي منها كنا نقول استغفر الله !

لم تقبلي أن نتلفظ بتلك المفردات رغم أنها بمقاييس الأمس واليوم ليست بذلك المستوى السيء من قلة التهذيب ، هل تعرفين يا أمي أني لم استخدمها رغم أنك رحلتِ منذ زمن طويل ورغم أن العالم أصبح ملوثاً بكلماته النابية لكني على عهدي معك وكأنك مازلت هنا !


هل تذكرين الشتاء و أغطية أسرتنا التي نسحبها للصالة وصراخك في كل مرة أن الجو ليس بارداً بما يستدعي أن نسحبها ونتغطى بها ونحن نشاهد التلفزيون ومسلسل الساعة التاسعة تحديداً وقولك المتكرر " لو تو حد جاء البيت وشاف الصالة كذا أيش رح يقول "  هل تعرفين يا أمي أنه لم نعد نفعل ذلك منذ رحيلك !!


هل تذكرين حساءك الشتوي " الشوربة" هل تتذكرينها ؟ هل تتذكرين حبي لها، لم أعد أتناولها منذ أن غادرتِ ، أشاهدهم يشربونها وأقول ببلادة أنا لا أحب تناول المشروبات الساخنة !


أمي هل تتذكرين الدجاج الذي كنت تربينه في المنزل  وكنتِ تحبينه كثيراً وكم سمعتك وأنت تحدثينه عن بعض همومك ! بعدك يا أمي لم يعد لدينا حيوانات ولا طيور في المنزل ، حتى القطط التي لم تحبينها يوماً ودخلنا في جدال طويل معك لتقبلي وجودها في المنزل رحلتِ جميعاً يوم غادرتِ ولم نحرص على إحضار غيرها. 


أمي مر زمن طويل جداً منذ أن رحلتِ وأنا أفتقدك جداً لكني لا استطيع الكتابة لكِ لأني لا أعرف إن كان في عالمك شكل من أشكال الارتباط بعالمنا ، هل تتذكريني يا أمي ؟ أنا تونس رابع بناتك وأكثرهن تعلقاً بك ووجعاً لغيابك !

أنا تونس ، أكتب عنك وكأنك رحلتِ بالأمس ، مع أنهم يقولون ننسى بعامل الوقت ، نحن لا ننسى يا أمي ، لاننسى أحبتناالذين وارينا أجسادهم التراب،فقط يخف حديثنا عنهم،فيظهر علينا التأقلم، وما تأقلمنا،لكنه حزن عميق لا تتسع عوالمنا لسرد وجعه !


رحمك الله

بنتك تونس 


تونس المحروقي

No comments:

Post a Comment

من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...