Thursday, 14 May 2015

الشعب الذي يعرف سفارة عُمان ، أكثر من اللغة الانجليزية.



 
وصلت سيئول في الثانية و الثلث ظهراً، كان إعياء السفر واضحاً على وجهي ، حتى خلتني كبرت ٢٠ عاماً.
 قلت لنفسي مواسية : اعتقد أنه بعد رحلة دامت أكثر من ١٥ ساعة سفر وانتظار دون نوم ، طبيعي أن يبدو الشخص وكأنه كبر هذا المقدار من العمر . 

لا علينا ، المهم أنه كالعادة بعد أن أنهيت اجراءات الدخول التي لم تتجاوز ثلث ساعة رغم ازدحام المطار بالقادمين، أردت أن استقل سيارة أجرة للذهاب للفندق ، لولا أن أحدهم أخبرني أن المدينة تبعد ساعة عن المطار ، و أن الفندق الذي حجزت للإقامة فيه تمر عند بابه الحافلة المكيفة التي تنطلق من المطار بسعر يعد أقل بمرتين ونصف عن سعر استقلالي لسيارة الأجرة ، كما أنها" أي الحافلة" مزودة بخدمة "الواي فاي" ، في حين أن سيارة الأجرة لا توفر ذلك. 
هنا قلت لنفسي "ليش المخاسير؟" أتحمل ساعة في حافلة مزدحمة  بدلاً من أن أتكبد مبلغاً يرهق ميزاينتي المرهقة أصلاً . ولأكن أكثر صدقاً،  كان دافعي للقبول بهذا العرض توفر الانترنت في الحافلة. 

حقيقة لم أتوقع أن يكون كرسي الحافلة أعرض بكثير من الكرسي الذي كنت أجلس عليه في رحلة جوية دامت ساعات ودفعت فيها المئات ، لدرجة أنني قلت لنفسي : لماذا لا يحدث تبادل خبرات بين مُصنّعي كراسي الطائرات مع نظرائهم مُصنّعي كراسي حافلات المطارات ، ربما كنا سنحظى بكراسي بإتساع مقبول في الدرجة السياحية على الأقل ! أعرف أن بعض أفكاري ليست منطقية ، لكن لا أمانع في مشاركتكم إياها. 

وصلت الفندق وبدأت أمشي في الشارع ، وأعجبتني المناظر والمحلات المجاورة للفندق وكذا أناقة البشر و بساطة ملابسهم .
 كانت وجوه البشر تشي بالبهجة ، حتى في صمتهم كان هنالك فرح يعلن عن حضوره بوضوح لسائحة تزور المكان لأول مرة. 

كنت أمشي لا أبحث عن شيء ، و لا أتوقع شيء .
، ولا أنتظر شيء . شرعت في  الدخول لبعض المحلات ،و بدأت الحديث مع الباعة على جانبي الطريق فلاحظت أن الناس لا يتحدثون الانجليزية .
وحقيقة أنا نادراً ما أواجه هذه المشكلة في أسفاري ، لذا في يومي الأول تجنبت الحديث مع المارة "على عكس طبيعتي" ، فأنا شخص لا يهتم كثيراً بالمعالم السياحية بقدر اهتمامه بالحديث إلى سكان وجهاتي ، السفر بالنسبة لي بشر أحاورهم وأسمع منهم أكثر من معالم سياحية ألتقط بجانبها صوراً للذكرى. 
 لذا أنا لا أشعر بوحدة عندما أسافر بمفردي فكل البشر الذين أصادفهم قد أحدثهم ، لايبدو الأمر صعباً لدي. 
المهم مشيت ساعات مستمتعة بما أشاهد ،والسماعة في أذني وأدندن بفرحي حتى قرصني الجوع ،وأن يقرصك الجوع في مدينة لا تعرف فيها شيء ، مشكلة من المشكلات التي سُتوقف استمتاعك بالحياة لحين .

المهم أنني عندما التفت للجوار ولم أجد مطعماً للأكل الحلال،جاءني الشيطان و ربما نفسي الأمارة بالسوء و دعانا للاستسهال في هذه الحالة بقولهما " :ما باليد حيلة ، ادخلي أي مطعم وتناولي وجبة و إن كانت غير حلال ، فأنت جائعة و لا تعرفين أحداً قد يساعدك هنا بإيجاد مطعم مناسب و الله غفور رحيم. 
ثم عادت نفسي القوية لتقول لي : لقد قضيت في بيرث أسبوعين كاملين تأكلين من نفس الساندويش"لندرة مطاعم الأكل الحلال في بداية إقامتك" ولم تموتي ، فهل تضعفي هنا بعد يوم واحد ؟
انتصرت نفسي ، فقررت أن أكل البطاطس المقلية وعلبه مشروب غازي كي يسكت الجوع في أعماقي وفعلاً سكت ،قبل أن أعرف لاحقاً أنه حتى هذه الأشياء في كوريا قد لا تكون حلالاً أيضاً !

في اليوم الثاني كان علي أن أذهب لسفارة السلطنة في سيئول بعد أن تلقيت دعوة كريمة لزياريتها ، وأعطيت العنوان ، و حسبما قيل لي السفارة تبعد ٥ دقائق مشياً من مكان إقامتي.
بدأت خطواتي بثقة كون أن جوجل ماب لن يقصر في إرشادي إلى المكان ، مشيت و أنا أترنم بأغنية أحبها ، لن أخبركم عنها، المهم بعد عدة محاولات لتفعيل جوجل ماب أدركت أنه لا يعمل ، لا أعرف  هل  كان السبب الباقة التي استخدمتها أم  أن جوجل ماب هناك يستلزم  أن استخدم اللغة الكورية لكي يتعامل مع طلبي ؟  لا أعرف، كما أن ذلك ليس مهماً الآن ، ما يهم أن جوجل ماب لم يعمل حينها. 
طبعا كرامتي كامرأة معتادة على السفر وحدها ، وإنهاء أمورها بكل ثقة واستقلال  لم تسمح لي بأن اتصل بالسفارة لأخبرهم أني لا أجد موقعهم ، لذا وجدتني أستوقف المارة لأسألهم عن مكان الشارع الذي أعطيت عنوانه، فأوقفت عدة أشخاص على عدة مرات فهمت من إيماءات وجوههم أنهم لا يعرفون معنى العنوان، ربما لأني أتحدث الانجليزية والعنوان لدي مكتوب بحروف انجليزية ، و ربما عيناي التائهة أفزعتهم وأجفلت تركيزهم .

بعد تفكير ، قررت بدلاً من إعطائهم العنوان ،  استبدال ذلك بسؤالهم عن مكان سفارة عمان ، وفعلا مرت ٣ فتيات سألتهن هل تتحدثن الانجليزية ؟ تعابير وجوههن قالت لا ، فقلت مستدركة : 

Oman embassy ?

اهتزت رؤوسهن جميعاً  و رددن Oman  ؟ لم ينتبهن ل embassy ، ركزن فقط في عمان وكررنها أكثر من مرة ، و كأنهن فجأة عرفن وجهتي و فرحن بذلك ، و بدأت واحدة بإخباري بالإشارات أن سفارة عمان في الشارع الآخر من مكان وقوفي ، و فعلاً وجدتها هناك. 

لم أستغرب بعدها عندما قال لي سفير السلطنة في كوريا الجنوبية أن مبنى السفارة يعتبر معلم من معالم سيئول ، و أن السفارة عُرف عنها في كوريا أنها أنسب مكان لمن يود الإطلاع على الثقافة العربية و العادات و التقاليد العربية الأصيلة، إذاً فلا عجب أن تعرف عابرة الطريق اسم عُمان أكثر من الانجليزية.
المهم أنني بعدها أعجبتني التجربة وأصبحت أكررها في وقت فراغي من مشاويري مساءً ، حيث أتواجد قريبة من فندقي واسأل ، وفعلاً تأكدت أنهم يعرفون اسم عمان وبمجرد سماعها يدلونني على موقع السفارة دون حاجة أن يفهموا شيئاً من انجليزيتي. 

الشعب الكوري شعب لطيف جداً ستلاحظ هذا من أول يوم لك في كوريا ، فقد لفتني  أنه حتى لو لم يفهم ما تقوله سيحاول أن يساعدك وسيكون آسفاً جداً لو لم يستطيع ذلك بسبب عدم قدرته على فهمك.
 في كوريا أيضاً لو نطقت أسماء الأماكن والشوارع بطريقة  قريبة بنسبة ٩٠ ٪ من الاسم الصحيح ، لن يفهمك أحد، حتى لو كان واضح جداً لديهم أنك أجنبي ، وحتى لو اجتهدوا لمساعدتك ، وهذ الشي حدث معي ثم سمعته من أكثر من شخص هناك.
و قد جربت هذا الشيء عندما كنت أحاول الوصول لأحد الأسواق الشعبية القريبة من الفندق وظللت أكرر محاولاتي على مدى يومين أحاول فيهما أن أصل  مشياً لهذا السوق دون فائدة ، واكتشفت لاحقاً عندما وصلت للسوق بالبركة أن طريقة نطقي لأحد الحروف كان خاطئاً لذا لم يفهمني أحد !

في شوارع كوريا إن استوقفت أحداً ليلتقط لك صورة ، سيفعل ذلك وابتسامته تشعرك أنه صديق وليس عابر طريق ، سيودعك عندما ينتهي من تصويرك بإبتسامة تحسسك أنكما تعرفان بعضكما البعض منذ سنوات. 
شعب كوريا يحب التصوير جداً ، لذا لم أجد غضاضة في إخراج "عصا السلفي  "التي كنت قد اشتريتها من استراليا "إن صح لي تأنيثها "وخجلت أن استخدمها في استراليا ، لأنه لم أصادف شخصاً واحداً يستخدمها في المدينة التي أسكنها، في حين أنني تشجعت جداً في سيئول في التفنن في استعراض طولها وقدراتها في إبهاري بمساحات جيدة من الكادر التصويري. 

وبسبب شكلي المختلف وحجابي عشت حياة الأضواء في سيئول ، و وجدت النساء من مختلف الأعمار يرغبن في التصوير معي مرات كثيرة ، في البداية استغربت ، ثم ابتدأت أتعامل على أني مشهورة والناس يطلبون التصوير معي لذلك ، لم تكن الفكرة سيئة إلا مرة واحدة عندما تزاحمت  النساء حولي في المنطقة المنزوعة السلاح بين كوريا الجنوبية والشمالية ، وبدأت أجد نفسي أمام طابور  من "وفد سياحي " ينتظر كل منه دوره ليقول أنه صور مع واحدة لون بشرتها لا يشبههم و ملابسها تختلف عنهم وعينيها أكثر اتساعاً. 

في كوريا لو تركت أغراضك في مكان ورجعت بعد فترة ستجدها ، أحدهم قال لي هذه المعلومة وطبعاً كان لابد من أن أجرب بنفسي حتى أقتنع ، و فعلاً أغفلت محفظتي قاصدة في أحد المطاعم المزدحمة جداً ،و كنت قبلها قد أفرغتها من بطاقاتي الائتمانية ، و وضعت فيها مبلغاً بسيطاً في حال أنها سرقت وذهبت لمشوار لساعة ونصف وعدت لأجد من جلس بعدي قد سلمها لموظف في المطعم والمبلغ الذي بداخلها كاملاً!
كما أنني بسبب تداخل قيمة العملات في رأسي بسبب كثرة سفري مؤخراً لدول مختلفة، اخطأت في تقدير المبلغ الذي طلبته مني موظفة " البج باص" فأعطيتها ٤ أضعاف المبلغ المطلوب فأخبرتني أنني اخطأت و أرجعت  لي المبلغ ، في حين أنه في هونج كونج  مثلاً، اخطأت وانتبهت بنفسي و  كنت بصدد الانصراف والبائع لم ينبهني بعد !

في كوريا ستستمتع بكل شيء ، و ستحب كل شيء ، فالنظام يحيط بك من كل جانب وابتسامة البشر تغمرك تفاؤلا وأخلاقهم الجميلة التي لم يغيرها التمدن تحتضن بقاؤك ، ستجد نفسك في كل مكان تسمع ترحيبهم  "أنيونج هاسايو" وتجيب عليهم بإبتسامة و ربما بمحاولة بائسة قي أن تنطق الكلمة كما ينطقون ! 

تونس المحروقي 

في طائرة cathay pacific المتجهة من هونج كونج لبيرث 
رقم المقعد A39

14/5/2015

2 comments:

  1. عشت الاحداث مع كلماتكِ،، استمررري

    ReplyDelete
  2. شوقتيني اسافر لكوريا ،، استمري في التدوين احببت العيش في عالمك:)

    ReplyDelete

من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...