Wednesday, 6 May 2015

الرحلة التي أجبرتني أن أكتب وصيتي !



 
منذ عام تقريباً بدأت أتوق للسفر لكوريا الجنوبية ، وليست لدي أسباب منطقية لتلك الرغبة ، ولا أحرص أن يكون لديّ عموماً، فأنا عادة أتبع احساسي في وجهات السفر التي أقرر زيارتها ، أينما يقودني احساسي أذهب. 
كما أنني لا اقرأ الكثير عن البلد الذي أعتزم زيارته ، و لا أخطط لزيارته مثلما يفعل الأشخاص المنظمين ، أحب أن اتفاجىء دائماً بموعد السفر الذي غالباً يتحدد قبل موعد السفر بأيام قليلة و كذا أحب أن اتفاجىء بما أراه في جهة سفري ، فالدهشة هي ضالتي في أغلب أسفاري منذ أن بدأت أفقد جزءً كبيراً منها. 

في الطائرة  إلى كوريا شاء قدري و رغبة شركة الطيران أن يكون مكاني ليس بجوار النافذة ، رغم أني في كل حجوازتي أؤكد على أني أريد مقعداً ملاصقاً للنافذة كي يتسنى لي تصوير السحب التي أحب تكتلاتها في الجو .

كنت متضايقة من أن الرحلة من بيرث إلى هونج كونج قرابة ٧ ساعات ونصف ،والنافذة ليست بجواري والمقعد ضيق جداً "كوني في الدرجة السياحية" ، لدرجة أنه كثيراً ما صدمت يدي بيد السيدة المجاورة لي في المقعد. 
هذه المرأة التي كان يبدو من شكلها أنها ستينية أو سبعينية لكن ربما تماسك بنيانها الجسدي يوحي بعمر أصغر .
 لا أعرف ولن أتفلسف ، المهم وأنه منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها شعرت أنها تريد أن تقول شيئاً، لكنها ظلت صامتة لقرابة ساعة طلبت خلالها ٣ أكواب قهوة ، مع أن الساعة كانت تشير للثانية عشر بعد منتصف الليل .
بعد ساعة من الرحلة ، التفتت إليّ، و قالت بتحفز وأنا على أعتاب النوم : هل يمكن أن نتبادل الكراسي فأنا أحتاج المشي كثيراً ، ولا أود إيقاظك في كل مرة كي أعبر للممر؟ وافقت بترحيب وقلت في نفسي لماذا أجلت طلبها طويلاً ، مع أنه يبدو أنها كانت تريد ذلك منذ أن رأت مكانها ؟! "تقمص شخصية المفتش كرومبو في طرح الأسئلة على كل تصرف أستغربه ،تروق لي أحياناً لكنها تزعج أخواتي دائماً" 

المهم أنه في الساعة التي تلت تبادل الكراسي كنت أراقبها  وهي تطلب القهوة تلو القهوة ، وأنا في مكاني كلما أردتُ الاستغراق في النوم أنعشتني رائحة قهوتها الساخنة لدرجة ضايقتني وأنا شخص يقدر النوم جداً ويحترم حضوره . 

كنت لا أعرف لماذا لا تود النوم ؟، ولماذا تدمن القهوة لهذا الحد؟ ولماذا شركة الطيران لا تقول لها لقد استنفذتِ الكمية المسموح تناولها في الطائرة "كما يحدث مع شاربي الكحول "، ولماذا لا أطلب منها أن تتوقف؟ أعرف أنه قد يقول قائل و ما شأنك أنت بها؟ شأني أني أود أن أنام  و رائحة قهوتها تنعش صحوي و كذا الضوء المشع من  جهاز الترفيه أمامها كان يخترق عينيي وهي لا تنام ولا تدع لي سبيلاً لذلك. 

تركتها وسرحت في فكرة ملحة زارتني قبل السفر ، وهي  احساسي القوي أن الطائرة ستقع . ربما لأن شركة الطيران صينية وأنا لا أثق بالطيران الآسيوي من غير منطقة الخليج العربي . جادلت موظف شركة السياحة طويلاً كي يجد لي طريقة  لا اضطر فيها لركوب طائرات الشركات الآسيوية التي تسقط في البحار والمحيطات ولا يجدها أحد ، لكنه أخبرني أنه لا خيار لديّ أما الصيني أو الماليزي وأما السفر لبلدي واختيار الطيران الذي أحب من هناك. 
 وحقيقةً فإن شبح ذكرى الطائرات الماليزية التي اختفت وتحطمت مؤخراً أجبرني أن اختار الصيني في ظل أن قرار العودة للبلد لم يكن وارداً هذه الفترة ، المهم أنه بعد أن حجزت مباشرة كتبت وصيتي .
نعم كتبت وصيتي وأخبرت بها إحدى أخواتي كما أنني أخبرت بعض من يهمهم أمري بما أحس ، و طبعا ضحكوا ، أو "نازعوني".
 قلت لصديقاتي : سافرت كثيراً لكنني لأول مرة أشعر أن "رجولي ثقيلة" ، ضحكن ، قالن "لأننا حسدناك ، كيف تسافري بدوننا ؟"
وقالت إحدى أخواتي بمزاح : "دام بتموتي اكتبي لي سيارتك " ، آخرى قالت لي : والعيد ؟ تقصد ألن أكون موجودة فِيه؟ 
عندما أتحدث عن احساسي بقرب الموت لا أحد في البيت يتعامل معي بجدية أبداً، وكذا تعاملوا مع هذا الأمر، ضحكوا ثم مضوا يتعاملون بإعتيادية ، وحدي من عاش الفكرة كاملة و رتبت أموري فعلاً على أنه قد يكون يومي الأخير، ولن أخبركم ما قمت به للتأكيد على هذه النقطة ، أسرحوا بخيالكم إن شئتم.   

المهم أن الطائرة لم تسقط في المحيط كما تخوفت ، هي فقط تأخرت ساعة عن موعد إقلاعها في هونج كونج نتيجة الضباب ، و قبلها تمايلت كثيراً وهي تهبط مطار هونج كونج حتى خلتها تستعد لقذفنا للأرض ، بالله عليكم كيف ستقفذنا للأرض ؟ "تعجبني قدرتي على التخيل "
المهم أنه أخيراً في الساعة الثانية والثلث من ظهر اليوم وبعد سفر وانتظار لما يزيد عن ١٥ ساعة وصلت الطائرة المطار الدولي في مدينة سيئول ، وهنا تحديداً نسيت موضوع سقوط الطائرة ووجدتني أتعامل بإعجاب مع تجربة جديدة في المطار لم أجربها في كل المطارات التي زرتها من قبل ، ما هي ؟ التدوينة القادمة قد ترد على ذلك !


تونس المحروقي 
بين سماء هونج كونج وكوريا الجنوبية 

٦مايو ٢٠١٥

2 comments:

  1. سرد رائعه عشت معه تفاصيل اللحظات

    ReplyDelete
  2. قمة الأبداع 👌 تسلم يمينك 🌹

    ReplyDelete

من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...