Sunday, 3 May 2015

النداء الأخير

 

 

 


 

في تمام الساعة الثامنة من مساء يوم أربعاء  ، كنت أحمل حقيبتي سفر و أَتَّجِهُ بهما إلى مطار مسقط الدولي ، مصحوبة بأحلام لا تتسع لها حقائبي ولا حتى قلبي يومها ، يرافقني جمع من الأهل يبتسمون  وكأنهم يزفون عروساً إلى قدرها. ما شكل هذا القدر وكيف ستواجهه وحيدة ؟ لا أحد يعرف ، لكنها لن تكون الأولى ولا الأخيرة التي تغادر بمفردها  كي تعود في نهاية المطاف بشهادة من " بلاد بره "، هكذا ربما كانوا يقولون في داخلهم ، أحسبني اجتهدت في تحليل أحاسيسهم جيداً يومها  أو يبدو أنني رأيت هذا المشهد في أحد الأفلام المصرية التي أدمن مشاهدتها . 

 

عندما اتذكر الآن ذلك اليوم أستغرب كيف أنني استطعت تقبل فكرة أن أحمل فقط حقيبتا سفر لرحلة تستمر أكثر من عام؟ وأنا التي يعرف عني بأنني أحمل دولاب ملابسي بأكمله لرحلات لا تتعدى أسبوعين . 

هل أقنعت نفسي يومها بأنني سأشترى ملابس أكثر أناقة من تلك الوجهة وأنا التي لا تحب أن تجعل شيئاً عُرضة للظروف ، أم أنني حُوصرت بضيق الوقت حتى أنني لم أتمكن من شراء ما أريد، أم ... ،أم ، لا أعرف الآن ، ولا يهم ذلك على العموم ، لأن وجهتي كانت مليئة بجميل الملابس وأحدثها صرعة !!

 صحوت من تفكيري بالقادم ، على صوت موظف شركة الطيران يقول لي : هل أنت متأكدة من أن التأشيرة التي بحوزتك سارية المفعول ، لأني لأ أجدها في النظام ؟ وللتوضيح هنا تأشيرة وجهتي كانت إلكترونية بمعنى أنه لا يتم إلصاقها في جواز السفر ، إذ أن كل ما يتم منحه لك ، تفاصيل التأشيرة و رقمها في بريد إلكتروني يرسل لك من جهة إصدار التأشيرة بعد إستيفائك للشروط المطلوبة . لذا سؤال الموظف أوقف قلبي لثواني : هل يعقل أنني سأعود بحقائبي للبيت؟ ماذا سأقول لأهلي الذين جاءوا لوداعي ؟هل سأبدو تلك الحمقاء التي  لا تستطيع تولي أمورها ، ثم  ماذا عن الجامعة التي ستبدأ الدراسة فيها بعد خمسة أيام ؟ أفكار كثيرة مرت قبل أن أسمع صوت الموظف يقول ثانية : لحظة ، يبدو أن هنالك مشكلة في النظام ، دقائق وأعود إليك ، حينها فقط تنفست الصعداء ، ورغم ذلك ظل هم هذه التأشيرة غير الملصقة يرافقني في كل سفراتي اللي تلت هذه الرحلة إلى وجهتي تلك .

المهم أن شركة الطيران التي حجزت فيها  لم تكتفِ بذلك الموقف الذي " خض أعصابي "  بل زادت بأن استكثرت علي بدورها حقائب سفري المتواضعة ، بعد أن قامت بوزنهمها  قررت أنني لابد أن أدفع مبلغا وقدره "..."، لأن الوجهة بعيدة وحقائبي أثقل مما يجب ، هم قالوا ذلك والميزان أيضاً. رغم أني كنت اعتقد أني أمعنت في التخفيف من متعلقاتي المرافقة كما ذكرت سابقاً.

 قضيت قرابة ربع ساعة أحاول شرح أنني طالبة مغادرة لقرابة عامين ، لذا من الطبيعي أن تكون الحقيبتان ثقيلتان ، وأني مسافرة لوحدي ، و أني سأكون في غربة، ومن الشهامة تفهم وضعي ، ما دخل الشهامة في الأمر  ؟ وما علاقتهم بغربتي ؟  لا يهم ، المهم أنني لعبت على هذا الوتر طويلاً ،حتى وافقوا أخيراً .أحسبني  أجيد تمثيل دور البريئة المظلومة " ليس دائما "  .

إنهاء الاجراءات الأمنية  في مطار مسقط الدولي كان  سريعاً جداً ، على غير العادة لم يطلب مني أحد في ذلك اليوم خلع حذائي مع أن  جهاز الإنذار ظل يصدر أصواتاً تنذرهم بشيء أجهله كلما مررت من تحته. 

وجدتني بعد دقائق أحدق في المسافرين ولديّ كتاب في يدي لا اقرأ منه شيء ولا أصوره أيضا لحسابي في الانستجرام ! في يدي الآخرى كنت أحمل جواز سفر بغلاف ُيعطي إيحاء أنه قديم مع أن عمره لم يكن يتجاوز العامين وقتها .

تبرر إحدى أخواتي  ذلك بكوني أخرجه كثيراً للسفر ، في حين أنه كان سيبدو أصغر عمراً لو لم يغادر مندوسه يوماً ، و أنا أقول ربما أيضاً جودة الطباعة على الغلاف تحتاج لإعادة دراسة من قبل المختصين. أقول ربما ! 

فكرة أن تغادر لوجهة لا يستقبلك فيها أحد ، ولا تعرف فيها أحد ، ولا تعول على أحد إلا نفسك تبدو مقلقة ، لذا كنت مشغولة بالتفكير في هذه النقطة في إحدى المطارات التي انتظرت فيها خلال رحلتي إلى وجهتي تلك .

أفكار كثيرة تداخلت في رأسي حتى ثقل جداً، وإذ بي أصحو من نومي  فجأة على صوت يقول : النداء الأخير لطائرة رقم ... المتجهة إلى... ، حينها أطلقت ساقاي للرياح ، غير مكترثة بكتاب نسيته ولا بوردة اشتريتها من جميلة قالت لي أنها ستجلب الحظ ،  كل همي كان في حياة ستغادر بدوني لو لم ألحق نداءها الأخير  !



تونس المحروقي 


بيرث ٢٠١٥ 

1 comment:

من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...