Tuesday, 21 April 2015

أذون .... أذون



 

" هل هلال رمضان " بهذه العبارة التي كنا نسمعها من أمي ، كانت تتولد مشاعر من نوع خاص في قلوبنا ، فهي ُتؤذن بأننا سنستمتع بالوجبات اللذيذة التي لا تطبخها أمي إلا في رمضان ،كما تعني توالي زيارات الأقارب الذين يسكنون خارج الولاية  والذين يأتون غالباً برفقة أطفالهم  مما كان يعني أننا سنلعب كثيراً دون أن تعترض أمي ، والأهم من هذا وذاك  تعني بأنه اقترب وقت جلسات " الأذون" .

و الأذون لمن لا يعرفه من الطقوس الرمضانية  التي كانت تمارس في بعض محافظات السلطنة  في فترة طفولتي في التسعينات من القرن الماضي " لا أعرف إن كانت موجودة للآن ".
إذ يجتمع الأطفال "من الجنسين" و اقصد بالأطفال تحديداً ممن  لم يبلغوا مرحلة الصيام ، حيث يجتمعون في وقت المغرب  في مساحة من الأرض تكون عادة في ساحة البيت أو بجوار المنزل، يتم تحديد أطرافها بحصى أو طابوق وأحيانا طباشير وتفرش بحصير صغير يتسع لمجموعة الأطفال ولا يخرح عن حدود مساحة " الأذون " ، وفيها يجلس الأطفال فيه ليتناولوا وجبة معينة من الطعام في فترة المغرب. 

وعندما أفكر في هذه العادة العمانية اعتقد أنه كان الهدف منها إشغال الأطفال بشيء في فترة الإفطار حتى لا يزعجوا الصائمين الذين يكونون في هذه الأثناء يضعون اللمسات الأخيرة في وجبة فطورهم ثم يبدأون في الإفطار ويليها صلواتهم التي تطول . المهم أن الأطفال -وأنا منهم يومها -كانوا يجتمعون من عدة منازل متجاورة ،كلٌ يحضر الوجبة التي قد قام  أهله بإعداها في المنزل، و غالبا ما تكون الوجبة قد تم إعدادها  كعشاء للصائمين ، فيؤخذ منها مقدار معين للأطفال كي يذهبوا بها ل " الأذون "، والوجبات كانت في الغالب "أرز ولحم أو دجاج ، أو مرق و خبز عماني أو رخال، أو ثريد ،وأشياء آخرى لم تعد ذاكرتي تسعفني لتذكرها. 

و في تقليد "الأذون" يتجلي  مبدأ المشاركة  المعروف في القرية ، حيث يتشارك  جميع الأطفال من عدة منازل  متجاورة في تناول الوجبات التي أحضروها، وفي طقوس الأذون  اتذكر أيضاً أنه كان يبدأ تجهيز مكان الأذون و رشه بالماء قبل رمضان بأيام ، وبحلول شهر رمضان يحمل الأطفال وجباتهم قبل آذان المغرب بربع ساعة إليه ليجهزوا أماكنهم ويعدوا "سفرة الطعام" ، و رغم أنهم ليسوا صائمين ، ألا أنهم لا يبدأون في تناول الطعام إلا بعد أن يؤذن المؤذن معلناً بدء موعد الإفطار ،واذكر أننا لم نكن نعتد بالآذان الذي يصدر من المساجد المتعددة في الولاية ، فالآذان المعتمد يومها لدينا كان ذلك الذي يصدر من جامع السلطان قابوس القريب من المنزل،عندها فقط يبدأ الأطفال بترديد كلمات معينة بإيقاع غنائي حماسي تقول كلماتها حسبما اذكر ( أذون أذون ، سحون " سح " ولبون " لبن " والشايب يفطر ، عيشنا سمن يقطر ، شلوا لحم وشلوا زبيب )، وشخصيا لا أعرف من علمنا أن نقول هذه الكلمات التي رغم بساطتها كانت تلخص الحالة الرمضانية التي كنا نفهمها ،لا أعرف أيضاً هل  هي نفسها المستخدمة في بقية محافظات السلطنة أم أنها حكراً لمحافظة الداخلية ، لم أكن معنية يومها بكل هذه التساؤلات ، كنت فقط أفكر في طعم الأرز والدجاج اللذيذ الذي يحضره أطفال جيراننا والذي بالكاد يكفينا بعد أن نتسابق في تكوير اللقمات منه .

ولمن لم يجرب"الأذون" هذا ، أود أن أشير  أنه لم يكن يخلو من العراكات الطفولية الجميلة التي" لم أكن يوما سببا فيها طبعاً"، فكلما زاد عدد الأطفال وتباينت سنوات عمرهم كلما زاد الاختلاف وأحيانا التشابك ، فالبداية قد تنشأ  مثلاً من أن إحداهن تقول " أنا ما واسعني ، وسعي لي " الثانية ترد " ما يخصني أنا ، شوفي فلانة ولا روحي هناك " وتزعل هذه وتذهب لأمها فنسمع صوت الأم من بعيد وهي تقول " وسعوا لفلانة " ،  و عندما لا يتم لها ما أرادت،وخصوصا لو كانت شقية يمكن جداً أن ترمي الطعام  بحفنة تراب "وهذا لن يمنعنا طبعا من تنظيف حواف الصحن المتسخ بالتراب ثم تناول الوجبة "  أو أن تقلب صحن الطعام أمامنا و تحاول الهرب ، وهنا قد ينشأ العراك، .

أو قد يحدث مثلا إعتراض أحد الأطفال من كون أن كمية الوجبة من العائلة الفلانية كانت قليلة جداً، أو أن أسرة معينة تكرر الطبق نفسه بشكل يومي يمله الأطفال فيعترضون ، وهكذا ، وعموما هي كانت عبارة عن خلافات تنشأ في يومها وتنتهي بمجرد أن يذهب كل طفل إلي بيته ، ليعودوا من جديد في اليوم الثاني لنفس الخلافات و ربما التشابك و "أذون أذون ، و سحون. ولبون " !!
 
 تونس المحروقي

بيرث 
استراليا /٢١أبريل ٢٠١٥ 

2 comments:

  1. أول مرو أسمع بهذي العادة مع أنني من نفس الحقبة

    تصوير رائع يجعلنا نعيش الواقع ،، بالتوفيق تُونس

    ReplyDelete
  2. وانا اول مرة اسمع بها مع اني من الداخلية
    فكرة حلوة وسرد متقن
    بالتوفيق تونس

    ReplyDelete

من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...