علاقتي بالقطط بدأت في مرحلة مبكرة من عمري ،اعتقد أني يومها كنت في السادسة ، بدأ ذلك اليوم باكراً جداً،عندما كنت وأختي عائدتان من رحلة "الرقاط "اليومي الذي لا تعفينا أمي منه إلا للمرض ،أو الإحتضار مثلاً وإن كان خدعة !! والرقاط لمن لا يعرفه هو جمع ثمار النخيل من مزارع النخيل في القرية ، بهدف تقديمها لاحقاً للمواشي في حال كونها "بسرا" أو بيعها لو كانت تمراً.
المهم خلال عودتنا يومها وجدنا قطة رمادية تموء ربما كانت جائعة أو فقدت طريقها لأسرتها، كنا أصغر من أن نحلل أو نفهم أسباب تواجدها الباكر هناك ، كانت صغيرة نوعاً ما بما يوحي أنها عدت مرحلة الرضاعة بقليل وبدأت في البحث عن طعامها بمفردها ، أقول هذا بعقل اليوم وليس ببراءة طفولتي يومها، اقتربنا منها فلم تجفل منا ، وبعد تشاور بيني وأختي التي تكبرني بثلاث سنوات تقريبا قررنا إصطحابها للبيت، واذكر أننا حملناها في "سطل " الرقاط غير الممتليء والغريب أنها لم تعترض !
كنا نعرف يومها تماماً أن أمي لم تكن لتقبل استضافتنا لها لذا قررنا وضعها في مكان مستتر في "حوش" بيتنا الريفي الكبير الذي لا تصل أمي لآخره ، وكان لنا ما أردنا ، أخبرنا بقية أخواتنا بالقطة وما قررناه بشأنها ، وكان حدثا مفرحاً للجميع ، كلنا أحبننا القطة وكأنها أخت جديدة دخلت عالمنا ، فأصبحنا نتناوب في إطعامها ، دون علم أمي مستمتعين بهذا القرب الذي لم نألفه من قبل ، حتى كان اليوم الذي خرجت فيه القطة من المكان الذي خبئناها فيه وهنا عرفت أمي بوجودها ، وقالت "رجعوها من وين ما جبتوها"، ولا أعرف لماذا كانت أمي يومها مستاءة من وجود القطط في البيت ، رغم أن والدها عرف عنه حبه للقطط ، وإطعامه لهن ، لكن أمي لم ترث هذا الشيء ربما وتوارثناه أنا وأخواتي، عموما لم يكن جدي لأمي هو فقط من عرف عنه علاقته الجيدة بالقطط ، بل أن أختي الصغرى تروي لي أن أحد أجدادي السابقين عرف عنه قصة شهيرة تروي أنه فتح سبلته يوما لتلقي التعازي على وفاة قطته الأثيرة ذات الأصول المحلية وليست تلك القطط المرفهة التي نراها اليوم في محلات بيع القطط .
إذا هي وارثة ، ساهمت في أن بيتنا في وقت لاحق من ذلك اليوم المهم في تاريخ القطط في أسرتنا ، أصبح مليئا بالقطط وأصبح لكل قط اسمه الذي نعرفه به ونتفنن في مناداته به وإبهار من يزورننا بتفاعل القط مع اسمه الذي يعرفه ، عاشت معنا قطط حملت أسماء " قرود " و" طوي " و " بوبو" " وحموري " و" العجوز" و" الحلوة " و " سدس " وغيرها ، أعرف أنها أسماء غريبة لكنها كانت من وحي طفولتنا وبيئتنا !
ولنا حكايات لا تنسى مع القطط في المرات التي انتقلنا من بيت لآخر كيف أننا كنا نحملها معنا ، حتى لا نفقدها ، و آلية تعويد كل قط على التأقلم في البيت الجديد ، كما أن لنا حكايات في معالجة القطط المجروحة خلال العراكات الدائمة بينهم مستخدمين الفازلين في دهن كل الجروح والمداومة بشكل يومي على ذلك حتى تلتئم تلك الجروح،الجميل أن كل من يعرفني وأخواتي وعلاقتنا بالقطط كان يقترح أن نؤلف كتابا في التعامل مع القطط خصوصا بعد أن أنقذنا قطا رضيعا وقع في " بئر " المنزل بسبب أن أمه كانت تحب النوم فوق الخشب الذي يغطي "الطوي" وفي يوم ما تركت أطفالها الذين بدأوا في تناول الطعام ولم يعودوا معتمدين على الحليب فقط ، تركتهم لتحضر لهم الطعام ، وخلال حركة أحد أطفالها وقع في "الطوي"
وعندما تفقدنا القطط لاحقاً ولم نجده وكنا نناديهم بصوت يعرفنه فسمعنا صوته في أسفل الطوي الخالي من الماء ، كان ذلك قبيل الغروب بقليل ، طلبنا من أبي يومها أن ينزل ليحضره لنا لكنه رفض طبعا و له كل الحق في ذلك ، فأيقنا أن القطة ستموت ، لم أكن صغيرة يومها ، كنت قد بدأت العمل في إحدى المؤسسات، شغلنا الأمر حتى أنني حلمت ليلتها أن القط ينادينا لإنقاذه ، المهم في اليوم الثاني تواصلت جهود الأفكار والإنقاذ ، كنا نحاول أن نتأكد أن القط بخير حتى سمعنا صوته فقررت بعض أخواتي أن ينزلن له "قفير" والحبل عبارة عن "شيلنا" ويضعن له بعض التونة فيه حتى يشم رائحة التونة فيعتلي القفير فنسحبه وفعلا تم ما أردنا وأنقذنا القط وأسميناه طوي ، ومن يومها وأنا أفهم تماما لماذا يقال أن القطط بسبع أرواح !
كبرنا جدا ورحلت أمي وأبي بعدها رحمهما الله ، تناقص عدد القطط في بيتنا يوما بعد الآخر حتى وجدنا أنفسنا ذات مساء نودع آخرهن وحيدة جدا ، كما كانت بدايتنا بواحدة ذات يوم صيفي أيقظه " الرقاط "
تونس المحروقي
الأحد ١٢أبريل
الساعة الثالثة عصراً
بيرث / استراليا
No comments:
Post a Comment