Tuesday, 28 April 2015

الرقاط ما فضيحة !!

 

 

 

 

إهداء : إلى روح أمي التي دفعتني لآخر العالم لأدرس ، بحثاً عن علم ٍيؤطر بعض دروسي منها !

 

في ذلك الزمن الذي كنت فيه طفلة ، كان صيف القرية الذي هو في الأصل إجازة المدارس، لا مجال للنوم  فيه ، فالمكيف يتم إغلاقه بعد آذان الفجر مباشرة ، لنذهب للصلاة ، وعندما كنا نحاول العودة للسرير الذي ما زال البرود يكتنفه من جراء ليلة كاملة من " هدرة " التكييف ، كانت " مجمعة أمي " لنا بالمرصاد ، والاختيار دائما بين أن نصحو من النوم لأداء المهمة الأزلية الصيفية لمن كان في مثل أعمارنا ، أو قضاء اليوم كاملاً نختبي من مكان للآخر حتى لا تطالنا " ضربات أمي " .

 بعيون شبه مغمضة  نتلمس طريقنا إلى مزارع القرية ، وفي الطريق نجد أجساداً أيضا متجهة لنفس وجهتنا وبنفس العبوس الذي يعتلي وجوهنا ،و في يد كل منا "سطل صغير" ، تقول قواعد المهنة  أنه لابد أن يمتليء قبل أن نعود للبيت وإلا ... أحسبكم تعرفون الإجابة .

"الرقاط " وفي لهجات آخرى " اللقاط " هي المهمة الصباحية التي كانت تنتظر أغلب أطفال القرية في زمن طفولتي ، حيث يغادر الأطفال بعد صلاة الفجر مباشرة وبأيديهم أواني مختلفة الألوان والأحجام ،كلٌ بحسب عمره وخبراته في هذا المجال ، فكلما زاد العمر كبر حجم الإناء ، وأصبح العودة للمنزل والإناء لم يمتليء من الأخطاء التي لا يمكن اغتفارها !

 و الغريب أن الأهالي يومها لم يكن يخطر ببالهم أن  أطفالهم  قد يصادفهم أحد من " الجن " في ذلك الظلام الدامس الذي يغادرون فيه منازلهم ،  فالقرية كانت صغيرة ، وأعمدة إنارة الشوارع لم تكن قد وجدت مكانها ، ومع ذلك لم نسمع في طفولتنا عن حالات صادفت جنياً، وربما لو حدث ذلك كانت أمي أعتقت نعاسنا من الصحو باكراً.

و الرقاط هذا الذي كان سبباً في أزمة أطفال جيل قريتي قائم على : جمع ثمار النخيل التي تساقطت من حركة الهواء الطبيعية ، بهدف تجمعيها لاحقاً كغذاء للمواشي في حال كونها " خلال " أو للبيع كغذاء للمواشي أيضاً في حال كونها تمراً .

والعملية ليست سهلة كما قد تبدو ، فأول درس يجب أن تتعلمه قبل أن تستلم "سطلاً" يحمل اسمك ويرافقك زمناً أن للرقاط مباديء وأخلاقيات مثل أي مهنة في الحياة .

 و أول درس تعلمناه من أمي عن هذه المباديء كان في عبارة قالتها " ترقطن بس من المزارع المفتوحة ، النخيل المصوّنات ما تدخلهن " وترجمة كلام أمي هو أن لا نتسلق جدارن المزارع التي قام أصحابها بتسوريها رغبة منهم  في الحفاظ على ثمار النخيل من عموم الراقطين" أمثالنا " 

فأحيانا قد تسول نفس "الراقط" الكسولة الراغبة في ملء الإناء بسرعة في أن يتسلق سوراً لمزرعة "مصوّنة" فقط لأنه يشك أن هذا المكان كونه مغلقاً ولا يرتاده أحد فمن الطبيعي أن يجد ثماراً كثيرة على الأرض لم يلتقطها أحد،وكثيرا ما سمعنا عن أطفال سقطوا خلال تسلقهم الجدران ، لكننا لم نجرؤ يوماً على تسلق جدار ، ليس خوفاً من السقوط وإنما لأن أمي كانت تقول أنه حرام .

وفي رحلة الرقاط يصادف الأطفال عدداً من الصعوبات التي يجب التعامل معها في حينها ، فقد يتعرض " الراقط " لدخول شوك النخيل أو ما يعرف محليا "السلا"  في مختلف مناطق الجسد ولعملية إخراج السلا تفاصيل دقيقة قد نأتي على ذكرها في مدونة لاحقة . 

كما أننا نحن عموم الراقطين كثيرا ما تعرضنا "لانقطاع نعلاننا" و كنا أما أن نصلح النعال وأما أن نمشي حافيين للبيت ونتعرض أيضاً لبعض التوبيخ. 

ولأنني بدأت رحلة الرقاط باكراً فكان لابد أن ترافقني إحدى أخواتي ، بمعني أن نكون في مزرعة واحدة وهي ترقط من اتجاه وأنا من اتجاه ثم نلتقي في نقطة محددة لنرى حجم انجازاتنا ، و كم كانت إنجازاتي مخيبة ! فأنا لا تروق لي كل أنواع الثمر ، لذا كنت أقوم بتجميع  الأنواع التي تتناسب وذائقتي فقط. 

ورحلة الرقاط لا تخلو من بعض المتعة ، إذ أن المزارع كانت بجانب الأفلاج ،فكنا كثيرا ما ننهي عملية الرقاط بالغوص في الفلج لبعض الوقت ، لنخرج بعدها مبللين لتتلقفنا حرارة شمس القيظ وتجفف ما بقى منا قبل وصولنا لمنازلنا ، كما أن بعض الأطفال ممن يأكلون الجراد ، لا ينسون أن يقوموا بصيد بعض الجراد قبل عودتهم للمنزل ، وكم كانت بعض الأسر تفتخر بطفلها لو جاء بسطل مملوء بالرقاط وعلبة مياه معدنية مملوءة بالجراد .  

و الرقاط عادة كنا نمارسه في فترة الصباح إلا لو قدر الله وجاءت ريح شديدة في فترة المساء، والرياح ومن سوء حظنا كانت غالباما تزورنا مساءً ،فنجد أنفسنا ملاحقين للذهاب مجدداً للمزارع لأنها فترة ذهبية للرقاط فمادامت الرياح مستمرة فثمر النخيل سيتساقط  بغزارة و" سطولنا" ستمتليء حتماً.

وهنا أستغرب مجددا أن الأهالي أيضا لم يفكروا في إمكانية أن تسقط فوق رؤوسنا النخيل خصوصا في فترة اشتداد الرياح ، فأنا اذكر أنني كنت " أرقط " وعيناي على النخلة المتمايلة من جراء الرياح ، أعترف أني كنت أخاف سقوطها علي ، كي لا تؤخرني عن الذهاب لمكان آخر لملأ سطلي .


كبرنا وأصبحنا نشعر بالإحراج من الذهاب للرقاط و هذا دفعني يوماً لأن أقول لأمي " فضيحة أنا الأولى على فصلي وزميلاتي يشوفني أروح أرقط " اعتقد بلهجة اليوم كان قصدي " وين برستيجي أمام زميلات الفصل " ؟، و يومها ردت أمي بعفوية محببة أستعيدها الآن  " الرقاط ما فضيحة ، الفضيحة للّي يسوي الفضيحة ".


 

 

 

تونس المحروقي 


بيرث ٢٧/٤/٢٠١٥ 

Tuesday, 21 April 2015

أذون .... أذون



 

" هل هلال رمضان " بهذه العبارة التي كنا نسمعها من أمي ، كانت تتولد مشاعر من نوع خاص في قلوبنا ، فهي ُتؤذن بأننا سنستمتع بالوجبات اللذيذة التي لا تطبخها أمي إلا في رمضان ،كما تعني توالي زيارات الأقارب الذين يسكنون خارج الولاية  والذين يأتون غالباً برفقة أطفالهم  مما كان يعني أننا سنلعب كثيراً دون أن تعترض أمي ، والأهم من هذا وذاك  تعني بأنه اقترب وقت جلسات " الأذون" .

و الأذون لمن لا يعرفه من الطقوس الرمضانية  التي كانت تمارس في بعض محافظات السلطنة  في فترة طفولتي في التسعينات من القرن الماضي " لا أعرف إن كانت موجودة للآن ".
إذ يجتمع الأطفال "من الجنسين" و اقصد بالأطفال تحديداً ممن  لم يبلغوا مرحلة الصيام ، حيث يجتمعون في وقت المغرب  في مساحة من الأرض تكون عادة في ساحة البيت أو بجوار المنزل، يتم تحديد أطرافها بحصى أو طابوق وأحيانا طباشير وتفرش بحصير صغير يتسع لمجموعة الأطفال ولا يخرح عن حدود مساحة " الأذون " ، وفيها يجلس الأطفال فيه ليتناولوا وجبة معينة من الطعام في فترة المغرب. 

وعندما أفكر في هذه العادة العمانية اعتقد أنه كان الهدف منها إشغال الأطفال بشيء في فترة الإفطار حتى لا يزعجوا الصائمين الذين يكونون في هذه الأثناء يضعون اللمسات الأخيرة في وجبة فطورهم ثم يبدأون في الإفطار ويليها صلواتهم التي تطول . المهم أن الأطفال -وأنا منهم يومها -كانوا يجتمعون من عدة منازل متجاورة ،كلٌ يحضر الوجبة التي قد قام  أهله بإعداها في المنزل، و غالبا ما تكون الوجبة قد تم إعدادها  كعشاء للصائمين ، فيؤخذ منها مقدار معين للأطفال كي يذهبوا بها ل " الأذون "، والوجبات كانت في الغالب "أرز ولحم أو دجاج ، أو مرق و خبز عماني أو رخال، أو ثريد ،وأشياء آخرى لم تعد ذاكرتي تسعفني لتذكرها. 

و في تقليد "الأذون" يتجلي  مبدأ المشاركة  المعروف في القرية ، حيث يتشارك  جميع الأطفال من عدة منازل  متجاورة في تناول الوجبات التي أحضروها، وفي طقوس الأذون  اتذكر أيضاً أنه كان يبدأ تجهيز مكان الأذون و رشه بالماء قبل رمضان بأيام ، وبحلول شهر رمضان يحمل الأطفال وجباتهم قبل آذان المغرب بربع ساعة إليه ليجهزوا أماكنهم ويعدوا "سفرة الطعام" ، و رغم أنهم ليسوا صائمين ، ألا أنهم لا يبدأون في تناول الطعام إلا بعد أن يؤذن المؤذن معلناً بدء موعد الإفطار ،واذكر أننا لم نكن نعتد بالآذان الذي يصدر من المساجد المتعددة في الولاية ، فالآذان المعتمد يومها لدينا كان ذلك الذي يصدر من جامع السلطان قابوس القريب من المنزل،عندها فقط يبدأ الأطفال بترديد كلمات معينة بإيقاع غنائي حماسي تقول كلماتها حسبما اذكر ( أذون أذون ، سحون " سح " ولبون " لبن " والشايب يفطر ، عيشنا سمن يقطر ، شلوا لحم وشلوا زبيب )، وشخصيا لا أعرف من علمنا أن نقول هذه الكلمات التي رغم بساطتها كانت تلخص الحالة الرمضانية التي كنا نفهمها ،لا أعرف أيضاً هل  هي نفسها المستخدمة في بقية محافظات السلطنة أم أنها حكراً لمحافظة الداخلية ، لم أكن معنية يومها بكل هذه التساؤلات ، كنت فقط أفكر في طعم الأرز والدجاج اللذيذ الذي يحضره أطفال جيراننا والذي بالكاد يكفينا بعد أن نتسابق في تكوير اللقمات منه .

ولمن لم يجرب"الأذون" هذا ، أود أن أشير  أنه لم يكن يخلو من العراكات الطفولية الجميلة التي" لم أكن يوما سببا فيها طبعاً"، فكلما زاد عدد الأطفال وتباينت سنوات عمرهم كلما زاد الاختلاف وأحيانا التشابك ، فالبداية قد تنشأ  مثلاً من أن إحداهن تقول " أنا ما واسعني ، وسعي لي " الثانية ترد " ما يخصني أنا ، شوفي فلانة ولا روحي هناك " وتزعل هذه وتذهب لأمها فنسمع صوت الأم من بعيد وهي تقول " وسعوا لفلانة " ،  و عندما لا يتم لها ما أرادت،وخصوصا لو كانت شقية يمكن جداً أن ترمي الطعام  بحفنة تراب "وهذا لن يمنعنا طبعا من تنظيف حواف الصحن المتسخ بالتراب ثم تناول الوجبة "  أو أن تقلب صحن الطعام أمامنا و تحاول الهرب ، وهنا قد ينشأ العراك، .

أو قد يحدث مثلا إعتراض أحد الأطفال من كون أن كمية الوجبة من العائلة الفلانية كانت قليلة جداً، أو أن أسرة معينة تكرر الطبق نفسه بشكل يومي يمله الأطفال فيعترضون ، وهكذا ، وعموما هي كانت عبارة عن خلافات تنشأ في يومها وتنتهي بمجرد أن يذهب كل طفل إلي بيته ، ليعودوا من جديد في اليوم الثاني لنفس الخلافات و ربما التشابك و "أذون أذون ، و سحون. ولبون " !!
 
 تونس المحروقي

بيرث 
استراليا /٢١أبريل ٢٠١٥ 

Monday, 20 April 2015

كما أوجعتني !

في كل مرة أرفع يدايّ للسماء عالياً ، أدعو الله ألا يوجعك أحدهم يوماً، كما أوجعتني !!


تونس المحروقي 

يوم أن كان هنالك عيد !


 

في طفولتنا المبكرة في القرية الصغيرة كنا ننتظر العيد بفارغ الصبر ونبدأ بحساب الأيام التي تفصلنا عنه قبل حلوله بشهور ونسعد كثيرا بتقلص المدة المتبقية والتي تحول بيننا وبين ذلك الفرح الذي يدعي العيد، فالعيد بالنسبة لطفلة لم تتجاوز العاشرة يومها يتمثل فقط في الذهاب لما يعرف في العاصمة مسقط وبعض المدن العمانية الآخرى ب"العيود "لشراء الألعاب التي ما كانت لتشتريها لولا تلك العيدية التي حصلت عليها قبل العيد بأيام من الوالد وبعض الأهل والجيران 

***

يأتي صباح العيد فنرتدي ملابسنا التي تختلف كثيرا عن الملابس التي يرتديها أطفال هذه الأيام ، فتلك كانت بسيطة جدا على عكس ما نراه اليوم من ملابس تعانق الأناقة والجمال في آن واحد  ورغم ذلك فقد كانت ملابس طفولتنا تنسدل على أجسامنا بجمالية تسهم في زرع ذلك الفرح الطفولي في نفوسنا لنرقص بها ونزين الدروب التي نمشي عليها بضحكاتنا البرئية وأحلامنا في امتلاك كل الألعاب المعروضة في العيود  .

قبل العيد بأيام نبدأ أنا وأخواتي في كي المبالغ التي جمعناها ، حيث كنا نستخدم مكواة الملابس في ذلك ، معتقدين أن العيد لن يقبل إلا العملات الجديدة ، نقوم بتلك العملية بإستمتاع غريب ، ونعاود الكرة كل يوم رغم أن النقود تبدو جديدة من كثرة كينا لها ، لكن من يقنعنا نحن يومها بالتوقف ؟

***

نذهب في الصباح الباكر لبيت جدي لنسلم على أفراد العائلة الكبيرة  ونقول " هنيتم بركات العيد " كما علمتنا أمي أن نقول ، نقول ذلك وأعيننا مصوبة نحو جيوبهم العامرة  بانتظار اللحظة الفاصلة التي يمد فيه الشخص يده لجيبه ليخرج المبلغ ويسلمنا إياه فنضعه بسرعة في حقائبنا الصغيرة وكأننا نخاف أن نفقده ، تلك الحقائب  التي تحمل أيضا المبالغ الإضافية التي  قد وفرناها من المصروف اليومي حتى نستطيع أن نشترى من ذلك العيود أكبر الدمى وأجملها ولا نكتفى بشراء دمية بل دمى متعددة وبأشكال وألوان مختلفة حتى تكون سعادتنا بذلك العيد أكبر من الأعياد السابقة .

لا أنسى هنا  أن اتذكر أنه كان يحدث أحيانا أن تمطر السماء قبل العيد بيوم ، فيخبر الأهالي أطفالهم في كل بيت أنه لن يكون هناك عيود في اليوم الذي يليه لأن أرضية السوق ـ التي كانت تحتضن العيود ـ مليئة بالبرك المائية لذا لن يستطيع الباعة أن يعرضوا الألعاب التي جلبوها من أجل هذه المناسبة  خوفاً عليها من البلل ، كنا حينها نتضرع لله ببراءة الأطفال أن تتوقف تلك الأمطار حتى لا تفسد فرحة العيد التي انتظرناها طويلاً ، ننام تلك الليلة وجفوننا شبه مفتوحة لنتابع إن كان المطر قد توقف أم لا وكم تكون فرحتنا كبيرة عندما نجد أن المطر قد توقف ـ رغم حبنا للمطر في غير أوقات العيد ـ  فنمني أنفسنا بأن تجف أرضية السوق سريعاً لأن موعد العيود بعد سويعات.

***

ننطلق فرحين للعيود ونظل نتجول فيه ونرى المعروضات الجميلة من المأكولات والألعاب التي تتجدد في كل عيد ،وهناك نلتقي بزميلات الفصل وقريباتنا وجميع من نعرفهم ومن لا نعرفهم أيضا ، فالكل يأتي لهذا المكان فلا مكان آخر يجمع الأطفال يومها . كنا رغم صغر أعمارنا  نلاحظ ما تلبسه هذه البنت من ملابس ، والحقيبة التي تحملها تلك وقد نعلق على بعض ما نراه في العيود ، ولم يكن يفسد علينا تجوالنا وفرحنا ذلك إلا الفتيان المزعجين الذين يأتون لإزعاج الفتيات أكثر من رغبتهم في شراء شيءٍ من الألعاب ، كانوا يرمون المفرقعات في وجوه الفتيات فيصرخن بخوف غير مصطنع ، ويندلع صوت ضحكاتهم عاليا مستمعين بمشاهدة آثار أفعالهم على وجوه الفتيات .

كنا نقضي ساعتين أو أكثر في ذلك المكان ومع ذلك لم نكن أبداً نشعر بملل ولا رغبة في الانصراف ، لكن  كلما تأخرنا في تجوالنا كلما زاد توافد الأولاد العابثين ، لذا كنا نؤثر الرحيل قبل أن تنفجر إحدى تلك المفرقعات على ملابسنا الجديدة وتحرقها فلا نسلم من كلمات التقريع في البيت عندما نعود !

كنا قد تعودنا في كل عيد أن نشترى هدية لأمي قبل أن نعود للبيت ولا أتذكر من علمنا هذه العادة ولا من كان صاحب فكرة هذا الاقتراح ،ولماذا لم نكن نشتري لأبي مثلاً هدية شبيهة بها ؟

المهم أنه أصبحت أنا  وأخواتي  نجمع مبلغاً لنشترى  به هدية مناسبة والتي غالبا ما تكون من المأكولات ، حينها كنا أطفالاً و كنا نجهل قواعد اختيار الهدية المناسبة والتي تليق بمساحة الحب التي نحملها لها في قلوبنا .

ومع أن هذا الحدث كان يتكرر في كل عيد إلا أن أمي كانت تفرح بتلك الهدية المتواضعة في كل مرة وكأنها تستلمها للمرة الأولى وهذا كان يسعدني وأخواتي كثيرا ويجعلنا نؤكد دائما على أهمية عدم إغفال هدية أمي في العيد .

أعياد كثيرة بعدها جاءت ورحلت ورحل معها أشخاص لم يعودوا حاضرين  ليزينوا قلوبنا سعادة مثلما كانوا يفعلون ، و رغم ذلك يبقي العيد حاضراً كل مرة  في  فرحة الطفل الذي يمسك نقود العيدية بيديه الاثنتين وهو يفكر بعدد الألعاب التي يمكن أن يشتريها بذلك المبلغ البسيط !


تونس المحروقي 

Saturday, 18 April 2015

يحدث أن نحتاج ...


أحياناً لا نحتاج الورد كي نرضى

ولا الهدايا الثمنية كي نفرح

فبعض ما نحتاجه في تلك الأحيان 

أن ُيصغى إلينا بإهتمام

أن يُنشغل بتفاصيل حياتنا بشغف  

ألا ُنترك لنحترق من الغضب دون سؤال 

 

أحيانا نحتاج أن نشعر بأننا نعني 

وأن حضورنا ذا قيمة 

وأن غضبنا ُيزعج 

وأن حزننا ُيؤرق

 

بعض ما نحتاجه رسالة من أحد ما استيقظ من نومه كي يتأكد أن مشاعرنا بخير 

وأن حزننا المؤقت زال 

وأن قلوبنا استعادت ضحكاتها 

 وأن نومنا سيكون هانئاً!


أحياناً- وهذه الأحيان قد تكون كثيرة- ، كل ما نحتاجه أن نشعر فعلاً لا قولاً أن قربنا يعني جداً وأن ابتهاجنا غاية وأن فرحنا مطلب !


تونس المحروقي. 

Thursday, 16 April 2015

الغياب الذي يأتي بمحض إرادة !!

"إذا كان وجودك في حياة أحدهم يشبه الغياب ، فاختر لنفسك أن تكون غياباً " 

تونس المحروقي 


شعور في غير موضعه !



عندما تنتظر طويلاً ، وتمنح فرصاً كثيرة ورغم ذلك لا يأتون ، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه !

عندما تطرق بابهم كثيراً من أجل اقتراب يعني لك ، رغم أن عالمك مليء بالبشر ،فلا يفتح لك الباب، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه !

عندما تحدثهم عما يعنيه وجودهم في حياتك ، وعن السعادة التي يولدها شعورك لهم في قلبك ، ويواصلون تجاهلك ، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه !

عندما تكون معهم أطهر من كل نقاء عرفوه ، وتهتم بهم كأنه لا يوجد في حياتك شيء غيرهم ، ثم بعد ذلك لايرونك ، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه !

عندما يتأرجحون بين قرب وبعد ، لأنهم يدركون جيدا  أنك ستكون موجودا عندما يرغبون في الاقتراب منك، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه !

عندما تشعر بأنك بدأت تفقد روحك من تبرير مواقفهم،وأنك تقضي أغلب وقتك متألما بسببهم ، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه !

عندما تموت الحياة كل يوم في داخلك ، رغم أنك مازلت تتنفس ، وترى الأشياء في نهاياتها رغم أنك في مقتبل العمر ، ويزورك الاكتئاب فيطيب له قربك ، رغم أنه لا مبرر حقيقي لاستضافتك له ، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه !

 

عندما تشعر بكل أو ببعض ماسبق ، ، عندها لابد أن تعترف بينك ونفسك أنك استهلكت شعورك في غير موضعه وإن استمرارك سيقضي على مابداخلك من جمال ، و أن قربهم نار لا تطيقها ، وأن السلم كل السلم أن تنأي بروحك إلى حيث لا يوجدون !!





تونس المحروقي


Wednesday, 15 April 2015

في لحظة انتظار !


                     


كم مرة  في حياتك التقيت بشخصٍ ، كنت تعرف أنك لن تلتقيه مجدداً و رغم أنه لم يسبق لك لقاءه بدأت في سرد الكثير من تفاصيل حياتك  ، وأخبرته عن قصص كثيرة لا يعرفها غيرك عنك،واستمعت لنصائحه بحب ، و دافعت عن غلطاتك التي رويتها له وتقبلت رأيه في كل ذلك و ربما لم تفعل .
كنت تماماً كأنك تتحدث مع قريب، وعندما انتهى اللقاء الذي جاء صدفة ، رحل كل منكما دون أن تقولا  وداعاً ، رغم أنكما كنتما تدركان أنه الوداع ، وأن حكاياتك التي رويتها قد استودعت قلب شخصٍ ستغبيه الحياة بعد قليل !!

حدث لي ذلك كثيراً ، ربما لأنني  أسافر غالباً بمفردي ، كما أن طبيعة شخصيتي  تتيح لي أن أبادر بالحديث إلى الغرباء ، الذين أجدهم بمفردهم يطالعون الفضاء في لحظة تملل !

لكل من التقيته في محطة قطار ، في موقف انتظار ، في رحلة عبر مطار ، وفضفضت له عن غربتي ، و حكيت له قصتي وأخبرته عن إنسانية أمي و رجاحة عقل والدي ، وعن عالمي وما يقلقني وما يفرحني ، شكراً لأنك كنت هناك لتسمعني ، شكراً لأنك قدمت لي اهتماماً أكبر من معرفتك بي ، أدرك أنه ربما لن نلتقي يوماً ، لكن لقاء ذلك اليوم بما أحيط به من قرب ، كافٍ كي يرافق قلبي و ذاكرتي عمراً .



شكراً 


Tuesday, 14 April 2015

16 يوماً


 

 

مر 16 يوماً بدونك 

دون أن أكلمك 

دون أن أحكي لك يومياتي 

دون أن أخبرك كم أحبك 

دون أن يرتجف قلبي عند كل نغمة رسائل ظنا أنها منك 

 

 

دون أن أبكي وأنا أتلقي صمت رسائلك 

مر 16 يوماً !!!

 

 


Sunday, 12 April 2015

الحكايات التي تبدأ سريعاً ل تونس المحروقي


تلك الحكايات التي بدأت سريعاً، وأحسسنا أننا ندخل في تفاصيلها دون أن ننتبه وأننا أصبحنا أبطالها دون تخطيط، غالباً تنتهي بصدمة !

من أقوالي المأثورة


القطة التي ُفتِح لأجلها سبلة العائلة !

 


 

علاقتي بالقطط بدأت في مرحلة مبكرة من عمري ،اعتقد أني يومها كنت في السادسة ، بدأ ذلك اليوم باكراً جداً،عندما كنت وأختي عائدتان من رحلة "الرقاط "اليومي الذي لا تعفينا أمي منه إلا للمرض ،أو الإحتضار مثلاً وإن كان خدعة !! والرقاط لمن لا يعرفه هو جمع ثمار النخيل من مزارع النخيل في القرية ، بهدف تقديمها لاحقاً للمواشي في حال كونها "بسرا" أو بيعها لو كانت تمراً.

المهم خلال عودتنا يومها وجدنا قطة رمادية تموء ربما كانت جائعة أو فقدت طريقها لأسرتها، كنا أصغر من أن نحلل أو نفهم أسباب تواجدها الباكر هناك ، كانت صغيرة نوعاً ما بما يوحي أنها عدت مرحلة الرضاعة بقليل وبدأت في البحث عن طعامها بمفردها ، أقول هذا بعقل اليوم وليس ببراءة طفولتي يومها، اقتربنا منها فلم تجفل منا ، وبعد تشاور بيني وأختي التي تكبرني بثلاث سنوات تقريبا قررنا إصطحابها للبيت، واذكر أننا حملناها في "سطل " الرقاط غير الممتليء والغريب أنها لم تعترض !

 كنا نعرف يومها تماماً أن أمي لم تكن لتقبل استضافتنا لها لذا قررنا وضعها في مكان مستتر في "حوش" بيتنا الريفي الكبير الذي لا تصل أمي لآخره ، وكان لنا ما أردنا ، أخبرنا بقية أخواتنا بالقطة وما قررناه بشأنها ، وكان حدثا مفرحاً للجميع ، كلنا أحبننا القطة وكأنها أخت جديدة دخلت عالمنا ، فأصبحنا نتناوب في إطعامها ، دون علم أمي مستمتعين بهذا القرب الذي لم نألفه من قبل ، حتى كان اليوم الذي خرجت فيه القطة من المكان الذي خبئناها فيه وهنا عرفت أمي بوجودها ، وقالت "رجعوها من وين ما جبتوها"، ولا أعرف لماذا كانت أمي يومها مستاءة من وجود القطط في البيت ، رغم أن والدها عرف عنه حبه للقطط ، وإطعامه لهن ، لكن أمي لم ترث هذا الشيء ربما وتوارثناه أنا وأخواتي، عموما لم يكن جدي لأمي هو فقط من عرف عنه علاقته الجيدة بالقطط ، بل أن أختي الصغرى تروي لي أن أحد أجدادي السابقين عرف عنه قصة شهيرة تروي أنه فتح سبلته يوما لتلقي التعازي على وفاة قطته الأثيرة ذات الأصول المحلية وليست تلك القطط المرفهة التي نراها اليوم في محلات بيع القطط .

إذا هي وارثة ، ساهمت في أن بيتنا في وقت لاحق من ذلك اليوم المهم في تاريخ القطط في أسرتنا ، أصبح مليئا بالقطط وأصبح لكل قط اسمه الذي نعرفه به ونتفنن في مناداته به وإبهار من يزورننا بتفاعل القط مع اسمه الذي يعرفه ، عاشت معنا قطط حملت أسماء " قرود "  و" طوي " و " بوبو" " وحموري " و" العجوز" و" الحلوة " و " سدس " وغيرها ، أعرف أنها أسماء غريبة لكنها كانت من وحي طفولتنا وبيئتنا !

ولنا حكايات لا تنسى مع القطط في المرات التي انتقلنا من بيت لآخر كيف أننا كنا نحملها معنا ، حتى لا نفقدها ، و آلية تعويد كل قط على التأقلم في البيت الجديد ، كما أن لنا حكايات في معالجة القطط المجروحة خلال العراكات الدائمة بينهم مستخدمين الفازلين في دهن كل الجروح والمداومة بشكل يومي على ذلك حتى تلتئم تلك الجروح،الجميل أن  كل من يعرفني وأخواتي وعلاقتنا بالقطط كان يقترح أن نؤلف كتابا في التعامل مع القطط خصوصا بعد أن أنقذنا قطا رضيعا وقع في " بئر " المنزل بسبب أن أمه كانت تحب النوم فوق الخشب الذي يغطي "الطوي" وفي يوم ما تركت أطفالها الذين بدأوا في تناول الطعام ولم يعودوا معتمدين على الحليب فقط ، تركتهم لتحضر لهم الطعام ، وخلال حركة أحد أطفالها وقع في "الطوي" 

وعندما تفقدنا القطط لاحقاً ولم نجده وكنا نناديهم بصوت يعرفنه فسمعنا صوته في أسفل الطوي الخالي من الماء ، كان ذلك قبيل الغروب بقليل ، طلبنا من أبي يومها أن ينزل ليحضره لنا لكنه رفض طبعا و له كل الحق في ذلك ، فأيقنا أن القطة ستموت ، لم أكن صغيرة يومها ، كنت قد بدأت العمل في إحدى المؤسسات، شغلنا الأمر حتى أنني حلمت  ليلتها أن القط ينادينا لإنقاذه ، المهم في اليوم الثاني تواصلت جهود الأفكار والإنقاذ ، كنا نحاول أن نتأكد أن القط بخير حتى سمعنا صوته فقررت بعض أخواتي أن ينزلن له "قفير" والحبل عبارة عن "شيلنا" ويضعن له بعض التونة فيه حتى يشم رائحة التونة فيعتلي القفير فنسحبه وفعلا تم ما أردنا وأنقذنا القط وأسميناه طوي ، ومن يومها وأنا أفهم تماما لماذا يقال أن القطط بسبع أرواح ! 

كبرنا جدا ورحلت أمي وأبي بعدها رحمهما الله ، تناقص  عدد القطط  في بيتنا يوما بعد الآخر  حتى وجدنا أنفسنا ذات مساء نودع آخرهن  وحيدة جدا ، كما كانت بدايتنا بواحدة ذات يوم صيفي أيقظه " الرقاط "   

 

تونس المحروقي 

الأحد ١٢أبريل 

الساعة الثالثة عصراً

بيرث / استراليا

Saturday, 11 April 2015

من أقوال تونس المحروقي

من لا يبذل لأجلك لا يحبك ، مهما ردد كلمة أحبك دون توقف !


Friday, 10 April 2015

شريطة أفكاري والكسل !

 


أعترف أني كائن كسول جداً فيما يتعلق بالكتابة ، دائما ما يكون لدي أفكار لكتابتها ، ولعامل التأجيل يطير ما في ذهني ، وعندما أجد جهاز الحاسوب الشخصي أمامي وأحاول الكتابة ، لا أستطيع إليها سبيلاً.

 تراودني فكرة ما و أتمنى لو تم اختراعها وهي  شريطة نلبسها في المعصم كساعة  تسجل كل ما نفكر به وترسله بشكل يومي لبريدنا الإلكتروني ! 

تخيلوا معي كم كانت ستكون أفكارنا ذات قيمة لو تم 
اختراع هذه الشريطة ، حيث يمكن ضبط هذه الشريطة لتخزين ما نوده وإلغاء ما لانريده حتى لا تتسبب لنا في بعض المشاكل مع البشر إن أطلع عليها بعض من نقتلهم كل يوم داخل أذهاننا دون أن نستطيع أن نصارحهم بذلك .


أنا أعلن من مدونتي هذه أنني أول من سيحجز هذه الشريطة إن تم اختراعها "في حدود إمكانياتي المادية طبعاً " ، كما أني مستعدة أيضاً لإمداد أي شركة ترغب في إنتاجها ببقية المزايا التي أفكر بها لهذه الشريطة الساحرة. 


حتى حينها ، أنا هنا لأكتب بعض ما أرى ،وما أحب ، وما يلفت انتباهي ومايشغل ذهني. 


تابعوني لأنني أثق تماماً أن مدونتي ستفوح بنقاء قلبي ❤️

تونس المحروقي 
١٠أبريل ٢٠١٥ 
بيرث /استراليا 

من شرفة محطة الرمل !

من شرفة محطة الرمل . تونس المحروقي إهداء إلى : • الفتاة التي كانت تبيع حقائب الأجهزة الإلكترونية في محل متواضع ...