عندما بدأت التفكير في أمنيات العام الجديد كنت أراقب المارة من طاولة أحد مقاهي شارع الاستقلال في مدينة أسطنبول ، كان الازدحام والأصوات أكثر من قدرة الإنسان الطبيعي على الاسترخاء لكن ربما لأنني "امرأة غير عادية" كما يحلو لي أن أصف نفسي ، فقد كنت أجد في ذلك الزحام مكان استرخاء مثالي.
أمامي كان أناس يلتقطون صور "سلفي" وآخرون يضحكون ، وغيرهم يحكون قصصهم وهم يمشون برفقة أحبتهم ، وأنا وحدي أراقب حياتهم وأفكر.
عدت لأفكاري وسؤال ماذا أريد من 2016 غير الخطط التي أضعها لنفسي في بداية كل عام ؟كقراءة عدد من الكتب في المجالات المختلفة التي اختارها، و التطور في عملي حسب مواصفات أحددها ، والمحافظة على صحتي ، والبدء في تعلم لغة آخرى وشراء سيارة ،و غيرها من الخطط التي تكبر معنا في كل عام وتكثر وتتشعب حتى نشعر معها أننا ننمو ونعلو.
لكن هذه المرة قفزت إلى ذهني فكرة غريبة لم أفكر فيها من قبل وهي أني أريد لهذا العام شيئاً مختلفاً، ماذا عن فكرة أن أعيش حياة طبيعية حقيقية قريبة مني ، و بعيدة بقدر المستطاع عن هوس وسائل التواصل الاجتماعي التي اجتاحت حياتنا حتى أصبحت جزءً لا يتجزأ منها.
هذا العام أرغب عندما أشعر بالملل أن أطالع السقف مثلاً بدلا من أن أعيش ساعات طويلة مهدرة في قراءة ما يكتبه البعض مما لا يضيف.
أريد أن أدخل مطعماً فأستمتع برفقة من أصحبهم وبلذة طعامي دون أن تشغلني فكرة أن أصور طعامي حتى أضعه في انستجرام أو سناب أو غيره لأن صديقاتي مثلاً ينتظرن معرفة خط سيري اليومي !
أريد أن اقرأ كتابا فلا تشغلني فكرة وضع مقاطع منه لبشر أعرف أنهم لن يقرأوه ، وكل ما سيفعلونه هو الإكتفاء بتداول تلك المقاطع علما بأنه سيضيع وقتي في اختيار مقاطع جيدة من الكتاب كان الأولى بي فيها مواصلة القراءة.
أريد أن أسافر فلا تشغلني فكرة أن هناك من ينتظر مقاطعاً أو صوراً لما أرى ليستمتع هو أيضا ، في ظل أن جوجل قد يوفر لهم ما يحتاجون من مقاطع .
أريد أن أسرح مع جمال جهة سفري الذي دفعت لأجل المجي لها مئات الريالات دون أن تجري وراء ذهني فكرة أنني يجب أن أكتب عن مشاهداتي لأن هناك من سيستفيد مما أقول.
أريد أن أفرح دون أن أشارك عموم البشر الذين لا يعرفونني فكرة سعادتي ، وأن أحزن فلا أحتاج أن أطلب من غرباء في وسائل التواصل الاجتماعي الطبطبة على حزني .
أريد لقلبي الجميل و أخلاقي التي تعب أهلي في زرعها أن يبقيان على وضعها وأن لا يتأثران بما نراه من كمية ومستوى الكلمات البذيئة الصادرة من عدد كبير من البشر في تلك القنوات ولسبب لا يعدو الاختلاف في الرأي !!
أريد أن لا تصبح مشاهد الموت والجثث والقتل المنتشرة هناك ، مشاهد تعتادها عيني حتى لا يعود قلبي يتأثر برؤيتها.
أريد أن لا يستغني البشر الحقيقيين في حياتي عن السؤال عني بحجة أنهم متابعين لي في تلك البرامج ويعرفون أخباري منها!!
أريد لوقتي أن يكون لي ، وللبشر الحقيقين في حياتي ، كما أريد للبشر الحقيقين أن يكونوا معي في أحداث يومي أتشارك معهم حقيقة اللحظات وليس صوراً منها !!
بإختصار أريد أن أكون بعيداً عن أضواء افتراضية واهتمام وهمي ، وأن أتنفس بحرية واقعية ، وأسرح في سقف الغرفة أحصى الغنمات قبل أن أنام بهدوء !!
تونس المحروقي
٥يناير ٢٠١٦
No comments:
Post a Comment